فجّر الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش الابن، قنبلة حقيقية بإماطته اللثام عن عدة جوانب ظلت خفية أو مبهمة في حملة الغزو على العراق، لا سيما فيما يتعلق بدور عدد من البلدان والقوى الجهوية والأنظمة العربية؛ إذ لم يتوان الرئيس بوش في الكشف أن الرئيس المصري حسني مبارك أبلغ قائد القيادة المركزية ''سانتكوم'' الجنرال تومي فرانكس، بأن العراق تمتلك أسلحة بيولوجية وان بغداد على استعداد لاستخدامها. الرئيس جورج بوش الابن الفاعل الرئيسي في عملية اتخاذ القرار في فترة غزو العراق بصفته قائدا للقوات المسلحة أيضا، كتب في مذكراته الصادرة بعنوان ''لحظات القرار'' أن الرئيس المصري حسني مبارك أبلغ تومي فرانكس قائد الحملة الأمريكية أن الرئيس العراقي المرحوم صدام حسين يمتلك أسلحة بيولوجية، وأنه على استعداد لاستهداف المصالح الأمريكية. وقد تم ذلك في سرية قبل الغزو الأمريكي واحتلال العراق. وأضاف الرئيس الأمريكي السابق أن مبارك ''رفض الإعلان عن هذه المزاعم خشية إثارة الشارع العربي''. مشيرا إلى أن ''معلومات استخبارية من زعيم بلد شرق أوسطي كان يعرف صدام جيدا أثرت أيضا في تفكيره''. وأفاد بوش، في مذكراته، أنه واجه ''مخاطر في التصرف مثلما واجه مخاطر من جراء عدم التصرف''، لافتا إلى أن الأمير بندر، سفير المملكة العربية السعودية لوقت طويل لدى واشنطن، الذي ''تربطه به علاقة صداقة منذ رئاسة والده جاء إليه بالمكتب البيضاوي وأبلغه أن الحلفاء في الشرق الأوسط يريدون اتخاذ قرارا''. وذكر بوش أن شخصا آخر كان له ''الأثر العميق أيضا في اتخاذ قرار الحرب وهو إيلي ويسل. وهذه الشخصيات كانت خارج دائرة المجموعة التي ساهمت في بلورة وصياغة قرار الغزو من أمثال أكبر رموز تيار المحافظين الجدد مثل نائب كاتب الدولة بول وولفوفيتس وكاتب الدولة للدفاع دونالد رامسفيلد، ولكن أكثر من ذلك دوغلاس فايت وريتشارد بيرل الذين ارسوا نظرية أقرب إلى منطلقات مورغانتو، معتبرين بأن ''القوة العسكرية'' هي الأداة الأساسية لمواجهة التحديات والنزاع في العالم. والعلاقات الدولية بالنسبة لهم تقوم على القوة، كما أن السلام الحقيقي يأتي نتيجة للانتصار في الحرب، وليس بالدبلوماسية. فضلا عن نظرية الفوضى الخلاقة التي ساهم في اعتمادها ليو شتراوس والتي طبقت في العراق إلى جانب نظرية السيادة المحدودة لزبينيو بريجنسكي وجوزيف ناي وأخيرا جيمس وولزي وإليوت كوهين عضوا مجلس سياسات الدفاع. ولكن يبقى الأخطر فيما جاء في مذكرات بوش الابن، هو الكشف عن الدور العربي الخفي في غزو واحتلال بلد عربي، كان من بين الدول الرئيسية في تحديد موازين القوى في الصراع العربي الإسرائيلي، أي العراق، ولكنه أيضا كان من بين عوامل القلق. فبغض النظر عن المساهمة المصرية في حرب الخليج الأولى عام 1991 بتواجد قواتها في حفر الباطن، فإن القاهرة كانت من بين البلدان المنزعجة من تنامي القوة العراقية والدور العراقي، لكونه يهدد مصالحها سواء على مستوى الملف الفلسطيني أو من حيث اصطفاف المنطقة بين بلدان الرفض والمقاومة والبلدان القريبة والحليفة من واشنطن. فقد غضت مصر الطرف عن مرور البوارج والسفن الأطلسية عبر قناة السويس إلى الخليج حتى تدخل في حرب ضد العراق بهدف احتلاله، وكان من بين مؤشرات ومعالم الدور السلبي المصري خلال مرحلة احتلال العراق إبقاؤها على سفيرها، وما ترتب عن ذلك من استهدافه، ولكن ايضا المواقف المصرية حيال المقاومة العراقية، بما في ذلك مجلس العلماء المسلمين للشيخ حارث الضاري، فضلا عن الاسراع في الاعتراف بالحكومة العراقية تحت الاحتلال، وهيأت لها المجال لتمثيل في الجامعة العربية تكريسا لتوجهات مشتركة مع الإدارة الأمريكية التي كانت ترغب دائما في جعل تواجدها في العراق طبيعيا لا احتلالا. وبالتالي كانت القاهرة على غرار دول عربية أخرى داعمة بطريقة أو بأخرى لخيار الحرب، ثم تكريس الاحتلال لدولة عربية عضوة في الجامعة العربية ونظامها شرعي معترف به دوليا، وتم ذلك سواء بالتنسيق المخابراتي أو السكوت المتواطئ أو تسهيل المهمة لمرور القوات والدعم اللوجستيكي.