من قطع الطريق العمومي، إلى حرق الممتلكات، مرورا بمحاصرة مباني الهيئات والإدارات، هي اللغة الجديدة التي أصبحت سائدة في المجتمع الجزائري. يكاد هذا السلوك العنيف يتحول إلى ثقافة عندنا. مواجهات دامية في ديار الشمس بالعاصمة، ثم بديار العافية، وقبلها أعمال شغب في بودواو... ولم تخل منطقة في الواقع من مثل هذه الصدامات الدامية أحيانا، بين المواطنين والسلطات المحلية. غضب الشارع لاشك أن مرده إلى تردي الأوضاع المعيشية، وانصراف المسؤولين المحليين عن أداء واجبات الخدمة العمومية، إلى المنافع والمكاسب الشخصية، دون رقيب أو حسيب. لكن اتساع ظاهرة العنف في التعبير عن المطالب، وتحولها إلى سلوك منهجي، أمر يدعو للقلق. ولابد من النظر فيه بكل جدية وحزم، قبل استفحال المرض، وضياع فرص العلاج. فقد أصبح يتأكد بين الناس أن السبيل الوحيد للحصول على الحقوق، بل وأكثر منها، هو اللجوء للتكسير والحرق، واستعراض العضلات، ذلك لأنهم جربوا كيف أن الحكومة، إنما تتفاعل إيجابيا مع مطالب الذين يستعملون العنف. فهي تعيد إسكان المقيمين في الأحياء القصديرية، الذين يحاصرون مقر البلدية، وتوصل الغاز الطبيعي للسكان الذين يقطعون الطريق، وهكذا... وقد ترسّخت هذه الثقافة في المجتمع إلى درجة أن الموظف في الإدارة يرد عليك، إذا طالبته بمصلحتك، بأن ''اقطع الطريق العمومي أو احرق البلدية إذا لم يعجبك الأمر!''. هذا ما تدعو إليه الحكومة، أو ما يوحي به سلوكها في التعامل مع غضب الشارع ومطالب المواطنين. فالسلطات المحلية لا تستيقظ إلا على وقع هدير الشارع، ولا تسمع إلا للأصوات العالية. والحكومة تجد نفسها تستجيب بطريقة أسرع لمن كان أكثر عنفا وأوسع تخويفا، ليتحول العنف في النهاية إلى أسلوب حوار طبيعي بين السلطة والمواطنين. هذا هو الطريق الذي نسير فيه إذا لم يستيقظ المسؤولون المحليون من نومهم، ويتكفلوا بمعالجة مشاكل المواطنين الحقيقية.. وإذا لم تراجع الحكومة أسلوب تعاملها مع مظاهر التعبير عن المطالب بالعنف. فالحكومة مطالبة بمعالجة مشاكل المواطنين والاهتمام بمطالبهم، لكن ليس بما يوحي أنها ترضخ للابتزاز، والترهيب. فالحقوق ينبغي أن تعطى لأصحابها لا للأصوات العالية فقط. ودور السلطات المحلية إنما هو منع اندلاع الحريق وليس إطفاؤه.