الجزائر تعتمد في توفير خبزها على قمح فرنسا بالدرجة الأولى، وقد دفعت هذه السنة لباريس نحو 769 مليون دولار، لاقتناء أطنان القمح الفرنسي لتموين المخابز، ومصانع العجائن في البلاد. في سنة 1789 تعرضت الثورة الفرنسية لحصار جيرانها في أوروبا، وكادت المجاعة أن تهلك الفرنسيين، وتقضي على حكومة الثورة، لولا القمح الذي كان يصلها من الجزائر. حينها كانت الجزائر تطعم شعبها وشعوب أوروبا بغلالها. كانت أراضي المتيجة جنات تؤتي أكلها بإذن ربها، أما اليوم فقد غزتها الخرسانة وقضبان الحديد. وبدل أشجار البرتقال والتفاح والعنب والرمان، وبدل سنابل القمح، ومشاتل الورود، ترتفع الفيلات والعمارات كالفقاقيع في كل مكان، بترخيص من السلطات العمومية. لقد نجحت الحكومات الجزائرية المتعاقبة في تدمير مقدرات البلاد الزراعية، وأصبحنا، بفضل عبقرية زعمائنا وحكامنا، نستورد القمح من فرنسا، والبطاطا من إسبانيا والثوم من الصين والبقدونس من ماليزيا، والكرمبيط من ساوتومي وبرنسيبي. نحن الذين أقمنا الثورة الزراعية، ووضعنا المخططات الخماسية والسداسية، وغيرها من النظريات الوهمية. ولما نجحنا في تحطيم الزراعة فشلنا في كل شيء. فنحن نستورد أيضا الحاسوب والسيارة والهاتف النقال، والأدوات المدرسية، والألبسة، ولاعبي كرة القدم، والمسيرين والمقاولين والعمال، وكل شيء تقريبا، اللهم إلا ''الهدرة''. لقد حولتنا الحكومات المتوالية على رؤوسنا، إلى بلد يعيش على الحاويات. لقد أصبحنا شعبا يأكل مما لا ينتج، ويلبس ما لا ينسج، بفضل ساستنا العباقرة. وعندما ينضب البترول، الذي نضخه من جوف الأرض، سوف لن يبقى لنا ذكر فوق الأرض. والفضل كل الفضل لأهل الفضل فيما وصلنا إليه.