قدر رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، أن النظام القائم حاليا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما ترك الأمور تتدحرج نحو انفجار وشيك، أو اختيار طريق الانفتاح في أسرع الآجال الممكنة. وقال بن بيتور إن السلطة الحالية ''كسرت حتى لمؤسسات التي يفترض أن تكون في صالحها، فما بالك بالمؤسسات المعنية بالمواطن''. يعرف أحمد بن بيتور، لدى استضافته في ''فطور الصباح'' ل ''الخبر''، أسباب ما أسماه الانهيار الوشيك للسلطة، في انتقالها من تكسير المؤسسات التي تعمل في الحالات النظرية لصالح الشعب، إلى تكسير المؤسسات التي كانت تدعم السلطة نفسها. وحسب بن بيتور فرص التغيير ''يستحيل أن تأتي من داخل السلطة نفسها كما يقترح البعض لأنها مشتتة في الأصل بين عدة مراكز للقرار لا تلتقي فيما بينها ولا يمكن لها أن تلتقي''، لذلك يجدد الدعوة ل''تحالفات إستراتيجية تلتف حول مبدأ التغيير والآليات لتحقيقه''. وبرأي بن بيتور، فإن الجهاز التنفيذي كسلطة مستقلة (الحكومة) ملغاة تماما، من تسيير شؤون الدولة بتغييب مجلسي الحكومة والوزراء، ثم بخصوص التحالف الرئاسي فهو: ''غيب نفسه لأن الأحزاب المشاركة فيه لا تستغل في العادة الفرصة للوصول إلى سدة الحكم (الرئاسيات) بالتموقع خلف مرشح مستقل، وهذا شذوذ سياسي''، في حين لا يرى في البرلمان ما يصلح للقول أن له دورا سياسيا: ''لأنه في مسار ثلاث برلمنات لم يقدم المجلس الشعبي الوطني ولا مقترح قانون واحد، والبرلمان الحالي أكثر ما نعيب عليه تركه لتعديل الدستور يمر دون تدقيق''، وحتى المجلس الدستوري فيقول بن بيتور ''ألغي دوره تماما وباتت أمور سياسية كثيرة تفرض عليه ويقبلها''. ولما سئل بن بيتور عن البدائل التي يقترحها، حتى لا يعاب عليه كثرة الكلام دون تقديم حلول، أوضح أن الوضع القائم ''يحتاج لضغط من المجتمع المدني بصفة قوية ومتواصلة''، ثم ''إجماع قوى التغيير على إنشاء تحالفات استراتيجية''، وثالثا: ''وجود عامل محرك''. وعاد بذلك إلى الأحداث الأخيرة التي عرفتها الجزائر وقال: ''كان فيها محرك وهو الوضع الاجتماعي، ثم حدث ضغط لمدة بضعة أيام''، لكن الذي لم يكن موجودا هو: ''أنه لم تكن هناك تحالفات إستراتيجية بين قوى التغيير''. ويقترح بن بيتور للوضع الحالي البحث عن الجهات التي تنادي بالتغيير: ''ولم لا فكرة التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الذي يطالب بتنظيم مسيرة، هنا جميع مطالب التغيير يجب مثلا أن تتعاطى مع المسيرة ولو كان بيننا اختلاف في الرؤى''، ويجدد الدعوة ل''تحالف استراتيجي وليبقى الكل على أفكاره دون تعارض في الخطوط العريضة''. ويتصور بذلك أن ''حتى محاولات السلطة حينها لتكسير التحالف لن تكون ذات جدوى لأن الأشياء القابلة للتكسير في هذه الحالة هي الوحدات الواقفة خارج مجموعة التحالف''. المدرسة كارثة وطالبت بإصلاحها ضحك بن بيتور لما سئل عن رأيه في المدرسة الجزائرية، وقال ''وضع المدرسة لا يحتاج إلى رأي، فالجميع يعرف أنها كارثة''. ويعتبر رئيس الحكومة الأسبق أنه ليس هناك مدرسة أضعف من المدرسة الجزائرية، مشيرا إلى حاجة القطاع إلى ''إصلاح جذري''، مستغربا حيازة نحو 5000 تلميذ على تقدير جيد جدا و20 ألف على تقدير جيد في امتحان البكالوريا؟ ولم يتخلف بن بيتور عن وصف التضخيم المفضوح في نتائج البكالوريا ب''الخطر''، قبل أن يؤكد ''والخطر موجود في كل القطاعات وليس فقط التربية''. موضحا إننا بهذه الطريقة نوهم الشباب بأن مستواه التعليمي مرتفع، لكنه لما يذهب إلى سوق العمل يصدم بمستوى ردئ '' الأمر الذي ينمي عوامل العنف في ذهنه''. وشدد المتحدث ''إننا نسير نحو مجتمع المعرفة والدول لا تظهر قدرتها إلا من خلال منظومتها التعليمية والقدرة على تحمل الأجيال المسؤولية السياسية، فيما ألح على وجوب ''إعادة تأهيل المدرسة والاقتصاد والدولة ببرنامج استعجالي في إطار تغيير شامل، يقترح بن بيتور أن يبدأ من .2012 وقال إن ''إعادة التأهيل تتطلب أموالا، لا تأتي حاليا إلا من مداخيل المحروقات، لذا يجب التحرر من المحروقات طيلة الخمس السنوات المقبلة. بن بيتور يتوقع بلوغ ذروة إنتاج النفط في الجزائر قبل 2020 طريقة استغلال المحروقات ستؤدي إلى نضوبها السريع توقع رئيس الحكومة الأسبق السيد أحمد بن بيتور أن تصل الجزائر إلى مرحلة الذروة في إنتاج ومخزون المحروقات في غضون 2018 و.2020 محذرا بأن هذا الوضع سيكون له انعكاسات سلبية، خاصة على الآجيال المقبلة. أوضح بن بيتور ''بالنسبة للجزائر، فإننا سنصل إلى ذروة الإنتاج على غرار ما وصلته سابقا أندونيسيا في غصون 2018 و,2020 بعدها ستتراجع الصادرات وبالتالي مداخيل المحروقات''. ولاحظ بن بيتور ''بالنسبة لميزان المدفوعات، فما بين 2007 و2008 مثلت حصة المحروقات 47 بالمائة من العملة الصعبة التي بقيت كمخزون في الخارج دون فائدة ''مضيفا ''تتخصص الجزائر في تحويل مخزون غير قابل للتجديد وهو النفط إلى مخزون غير قابل للتبخر، وهو الدولار المتواجد بالخارج''. من جانب آخر أشار بن بيتور '' حينما ننظر إلى برنامج دعم النمو بقيمة 286 مليار دولار، فإن هذا الاستثمار يجب أن يدعم بادخار، فغالبا يقسم المدخول بين الاستهلاك والادخار، ونحن ليس لنا مدخول خارج المحروقات ونستغل ثروات وموارد غير قابلة للتجديد. وبالتالي سننتج دينا لن يكون لنا قدرة على تسديده، لأنه لدينا استهلاك دون ادخار''. ويرى بن بيتور ''بمتوسط سعر نفط يقدر ب70 دولارا فإننا مع انقضاء برنامج دعم النمو نكون قد استهلكنا 4 ملايير برميل أي قرابة نصف المخزون. والسؤال كيف يمكن استغلال نصف المخزون دون الرجوع إلى الشعب، إننا نقوم برهن مستقبل شبابنا إذن''، ليضيف ''بل إننا نقوم باستخدام جزء من العائدات ليس فقط للتجهيز بل للتسيير من خلال تمويل الأجور. ونقدر كافة الالتزامات بحوالي 6,2 مليون برميل يوميا أي إننا سنلجأ إلى الضغط على الموارد المتاحة.'' الجزائر دون محروقات قد تتحوّل إلى صومال حذّر أحمد بن بيتور بأن النضوب السريع للمحروقات يمكن أن يجعل من الجزائر دولة مميعة على شاكلة الصومال وليبريا. مشيرا بأن ركيزة الدولة حاليا هي المحروقات. وبالتالي للاستفادة من مزايا هذه الموارد يجب الحفاظ عليها وتسييرها بعقلانية وتحويل الموارد إلى قطاعات إنتاجية، ولتفادي أية مشاكل قد تبرز مع ''2020 يجب أن يكون التغيير ابتداء من 2012، قبل بلوغ ذروة الإنتاج وانخفاض قدرة التصدير، لأن المشاكل ستبدأ مع تقليص قدرة الجزائر على التصدير مقابل الزيادة المعتبرة للطلب الداخلي. لن أنشئ حزبا في الظروف السياسية الراهنة قال أحمد بن بيتور إنه سيؤسس حزبا سياسيا مستقبلا، في ظل ظروف سياسية أحسن من الظروف الحالية. وأكد انه ''في الوقت الراهن لا نستطيع التغيير بأحزاب وانتخابات تحت تصرف السلطة''. وأوضح بن بيتور''الظروف الحالية غير مشجعة لتأسيس حزب سياسي، وجهدي حاليا منصب على البحث عن وسائل التغيير''. واعتبر رئيس الحكومة الأسبق أن الرهان في الوقت الراهن على ''التحالفات الإستراتيجية'' بين قوى التغيير التي يجب أن يلعب فيها المجتمع المدني دور مؤثر، وهو ما لا تستطيع الأحزاب السياسية فعله، في ظل الظروف الحالية. وقال بن بيتور''لا أتصور أنني أؤسس حزبا ذا نجاعة أكثر من حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي يناضل منذ .''63 وأضاف ''كل من يسعى للتغيير يتم إسكاته''، وعلاوة على ذلك، أبدى عدم استعداده للانسياق وراء الإدارة في لعبة الترخيص'' في وقت تعاني أحزاب من عدم حصولها على ورقة الاعتماد لممارسة نشاطها. وشرح بن بيتور، عبارة أكدها في مسودة مشروعه ''الجزائر2020 ''، حينما أورد ''لقد تحررنا من السيطرة المادية للمستعمر، وينبغي على نفوسنا أن تتحرر من هيمنته''، مؤكدا أن المراد من قوله انه ''في ظروف مكافحة الاستعمار كان هناك خلط بين مفهومي ''الوطنية والحرية'' حيث كان الكفاح منصبا على الحرية، لكن ولما تحقّقت الحرية، كسرها النظام الذي تولى مقاليد الحكم، بينما ''بقي المواطنون متأثرين بأفكار المستعمر. وهذه مأساة الشعوب العربية''. الحل في انتخابات رئاسية بعد 15 شهرا يشرح رئيس الحكومة الأسبق السيد أحمد بن بيتور الوضع الحالي الذي تمر به الجزائر بالإشارة إلى التباين الصارخ بين الإمكانيات الهائلة التي يزخر بها البلد وبين الواقع المعيش. وتكفي الإشارة، كما يقول بن بيتور، إلى أن الجزائر مثلما هي مصدّر''برفع الميم'' للثروة، فهي مصدرة كذلك للكفاءات، لكن بالمقابل يعاني البلد من مشاكل يومية بلغت مستوى أصبحت فيه كل الآفاق مغلقة. وعليه مثلما يرى السيد بن بيتور، يبقى العنف هو الطريقة الوحيدة للتعبير. وعن أحداث الخامس جانفي، ذكر رئيس الحكومة الأسبق، بأن الشباب الذين خرجوا إلى الشارع تتراوح أعمارهم على العموم في حدود العشرين سنة. وهذا يعني أنهم ولدوا في عشرية الدم وتربوا وترعرعوا في عشرية الرشوة. وعليه يضيف بن بيتور''وجب تجنب الخطأ في تشريح الحدث، فالذين انتفضوا لا علاقة لهم لا بالزيت ولا بالسكر، وإنما انفجروا نتيجة انغلاق الآفاق والمستقبل أمامهم، بالرغم من رؤيتهم للأموال الضخمة المكتنزة في البنوك''. وفي تحليل السيد بن بيتور، الذين خرجوا إلى الشارع لا يشترون السكر والزيت لأنهم ليسوا أرباب عائلات، والمتضرر من الغلاء هم الأولياء وليس الأبناء. فهل حرضهم آباؤهم على الخروج إلى الشارع؟! إذا كان الأمر كذلك فيصبح للانفجار معنى آخر ومبررات أخرى. أكثر من هذا يتساءل السيد بن بيتور، عن حجم كميتي الزيت والسكر في القفة الجزائرية، ثم يستطرد قائلا ''لا أعتقد أن تشكل حجما بالقدر الذي يفجر عنفا كالذي عشناه''. وعن الآفاق خاصة في المدى المنظور، يتمنى رئيس الحكومة الأسبق، أن تستوعب السلطة الأمر فتجمع الراغبين في إيجاد حل ملائم ومريح للجميع، لوضع خطة لتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة تنظم بعد مرحلة انتقالية تدوم خمسة عشر شهرا.