كل وزراء الصحة الذين نتحدث معهم عن سياسة الدواء في الجزائر، يؤكدون على ضرورة توسيع استعمال الأدوية الجنيسة، ويتعهدون بتنويع مصادر التموين، وتطوير الصناعة المحلية لضمان الاستقرار والفاعلية في السوق. وفي نهاية كل سنة تنتفخ فاتورة استيراد الأدوية أكثر، وتكبر حصة ممون واحد، هو فرنسا. أصبحت باريس تحتكر أكثر من 60 بالمائة من سوق الأدوية بالجزائر، التي تجاوزت قيمتها، السنة الماضية، مليار دولار. تعد فرنسا أكبر منتج للأدوية في الاتحاد الأوروبي، لكنها ليست بطلا للعالم في مجال الدواء الجنيس الذي هو أساس استراتيجية الجزائر الصيدلانية. كما أن كثافة الإنتاج والمنافسة التجارية الشرسة بين المخابر لا تعني بالضرورة قمة الصرامة الرقابية، إذا لم تكن عاملا عكسيا. وليس أدل على ذلك من الفضائح التي أصبحت فرنسا مسرحا لها، بسبب الأدوية القاتلة والملوثة للمياه، وأخرى لم تثبت فعاليتها العلاجية علميا بشكل قطعي. إذا كان وزراء الصحة المتعاقبون، ومن ورائهم الحكومة، يتبنون تنويع مصادر التموين واستعمال الأدوية الجنيسة، ما الذي يجعل فرنسا تبقى محتكرة لسوق الأدوية في الجزائر، بل تزداد حصتها من سنة لأخرى؟ وإذا كانت الحكومة غير قادرة على تنفيذ سياستها، لماذا تضع الاستراتيجيات وتعلن عنها، وتوهم الناس بما هو غير متيسر لها؟ ثم هل يعقل أن تكون فرنسا أول ممون للجزائر بالأدوية، وهي أيضا أول ممون لنا بالقمح؟ ثم يأتي السياسيون ويطالبون فرنسا بالاعتذار على جرائم الحرب التي ارتكبتها في الجزائر إبان الاستعمار. ويتحدثون عن برودة في العلاقات بين الجزائر وباريس، بسبب اختلاف في وجهات النظر. لا يمكن أن تكون لك وجهة نظر مختلفة مع الذي يمسك بيده خبزك وصحتك. فالذين يتحدثون عن استراتيجية الأدوية في الجزائر إما مغفلون وإما يستغفلوننا. لا أرى تفسيرا ثالثا. [email protected]