رغم أنه تعمّد الاستعانة بعبارة فضفاضة لترك الغموض سائدا ''عمدا'' بشأن نيته في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، إلا أن ذلك لم يمنع وكالة الأنباء الجزائرية من أن تخرج عن المألوف وتعلن في إحدى برقياتها، أول أمس، أن الوزير الأول أحمد أويحيى ''لم يستبعد احتمال ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية''. ولم تكتف بذلك، بل قدّمت نبذة عن مساره السياسي وكأن أمر ترشحه قد أضحى محسوما! قدمت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، لأول مرة قراءة في ما يفكر فيه الوزير الأول، وخرجت فيها بأن أويحيى ''لم يستبعد احتمال ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية''، وهو ما يفتح باب التأويلات على مصراعيه. للإشارة كان أويحيى في رده عن سؤال خلال حصة تلفزيونية حول ما إذا كانت له النية في الترشح للرئاسيات، قد اكتفى بالتذكير بتعليق الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان الذي أجاب عن ذات الموضوع قائلا أن ترشحه للرئاسيات سنة 1974 كان مجرد ''التقاء إنسان مع قدره''. ولتأكيد مقولته أشار السيد أويحيى أن ''مثل هذا الرد الذي أتى من مسيحي سيكون له مغزى أكبر عندما يصدر من مسلم''. كما أشار إلى أن الإنسان المسلم في المجتمعات العربية المسلمة شديد الارتباط بمفهوم ''المكتوب'' أو''القدر''. إن قول وكالة الأنباء الجزائرية بأن أويحيى ''لم يستبعد احتمال ترشحه للرئاسيات المقبلة'' قد تكون فيه رسالة إضافية موجهة للخارج والتي كان قد دشنها وزير الخارجية مراد مدلسي منذ عدة أسابيع بالقول بأن ''الرئيس بوتفليقة لا يرغب في البقاء في سدة الحكم إلى الأبد''. وبالتالي، فإن برقية وكالة الأنباء تندرج ضمن محاولات طمأنة الخارج الذي لم يخف ضغوطه على خلفية الثورات العربية بمطالبة الجزائر ب ''التغيير''. وهذا الانطباع بأن أويحيى المقرب من العسكر ''لا يستبعد ترشحه للرئاسيات المقبلة'' لا يمكن جعله بمعزل عن ذلك، حتى وإن كان أويحيى من المدافعين عن ضرورة ما يسميه ''إعطاء الوقت للوقت'' لإنجاز التغيير. من جهة أخرى، تكشف ما ذهبت إليه وكالة الأنباء الجزائرية عن حقيقة أخرى، وهي أن الوزير الأول أحمد أويحيى على علم بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لن يترشح لعهدة رابعة سنة 2014، عكس ما أعلن عنه مبعوثه الشخصي عبد العزيز بلخادم، لأن الأمين العام للأرندي سبق وأن قال بعظمة لسانه أنه ''لن يترشح في رئاسيات يترشح لها عبد العزيز بوتفليقة'' في أحد تصريحاته عام .2004 إن لجوء أويحيى لاستعمال عبارة ''المكتوب'' أو ''القدر'' تعني للوهلة أنه لن يستعد ولا يسعى إلى منصب رئاسة الجمهورية، لكنه في المقابل لن يرفضه إذا اختير من قبل أصحاب القرار، غير أن هذا دفع وكالة الأنباء الجزائرية بهذه القضية إلى قولها بأنه ''لا يستبعد الترشح لمنصب رئيس الجمهورية'' وهي المعروفة بغربلة ''البرقيات'' قبل إرسالها وعدم المجازفة في مثل هذه المواضيع لا يمكن فهمه سوى من زاوية أنه ''توضيح'' لرسالة أويحيى التي لم يحسن البعض ربما تشفير رموزها وفك طلاسمها، أو أنه أريد بذلك إطلاق ''بالون'' اختبار لجس النبض تحسبا لترتيب أوراق موعد 2014، عن طريق إخراج مرشح مفترض لخلط الأوراق والحسابات في انتظار المرشح الفعلي، الأمر الأقرب لعدة معطيات. أولها أن النظام ظل منذ الاستقلال يستعمل مثل هذا الأسلوب بتقديم أسماء مرشحة للرئاسيات قبل أن يخرج الفارس الناجح في آخر لحظة، كما فعلها مع الشاذلي في 79 ومع بوضياف في 92 ومع زروال في 95 ومع بوتفليقة في .99 وثانيها أن ترشيح مفترض لأويحي من طرف الوكالة في هذا التوقيت المبكر في استحقاق انتخابي ما يزال بعيدا نسبيا فيه نية لإخراجه مبكرا من السباق. لكن مهما يكن من أمر، فإنه بين ال ''مكتوب'' الذي ينتظره أويحيى وبين ''غير مستبعد'' الذي أعلنت عنه وكالة الأنباء الرسمية، هناك مؤشرات تذهب باتجاه أن مرحلة ما بعد بوتفليقة قد شرع في ترتيب أوراقها من الآن.