تقاليد جديدة دخلت في الصناعة السياحية بجيجل... أرقام هواتف وإعلانات تعرض خدماتها بشكل مغر لاصطياد المصطافين الراغبين في قضاء عطلتهم الصيفية بين أحضان الكورنيش، أغلبها تحمل عبارة ''للكراء شقق مجهزة''، ومقابل ذلك وجد السماسرة ضالتهم وسط حالة من الفوضى، وأصبحوا يفرضون أسعارا خيالية. تضطر آلاف العائلات بولاية جيجل مع بداية موسم الاصطياف من كل سنة، إلى هجرة المساكن التي تقيم بها قصد كرائها للمصطافين، في ظاهرة أصبحت تتزايد من سنة لأخرى، في ظل الإقبال الكبير على هذا النوع من الإصطياف، سيما من طرف العائلات ذات المستوى المعيشي المتوسط والضعيف. والزائر إلى شواطئ جيجل من زيامة منصورية غربا إلى بني بلعيد شرقا هاته الأيام، مثلما هو الشأن في باقي المواسم الماضية، يقف على الإنتشار المتزايد للإعلانات الخاصة بكراء الشقق، والتي يتم نشرها في واجهات المحلات وبعض الأماكن العمومية مرفوقة بأرقام الهاتف. توزيع الأبناء على الأقارب ''أقوم كل موسم بكراء شقتي للمصطافين لضمان دخل إضافي، لكن هاته السنة يبدو أن الموسم قصير جدا بسبب تقدم شهر رمضان''، بهاته العبارة استهل أحد سكان التجمع السكني ''تاسوست'' 8 كلم شرقي مدينة جيجل يشتغل في التعليم، حديثه إلينا عندما سألناه في الموضوع، قبل أن يضيف بأنه يلجأ بالموازاة مع ذلك إلى الإقامة رفقة زوجته وابنه الوحيد لدى صهره. وأشار من جهة أخرى بأن أغلب العائلات بهاته المنطقة التي تتوفر على شاطئين، أصبحت تقوم بكراء مساكنها للعائلات القادمة من الولايات الداخلية بحثا عن دخل إضافي بإمكانه أن يغطي العجز الذي تعانيه في مجال التكفل ببعض المصاريف. في حين يضيف ''سليم'' الذي يقيم بأحد أحياء مدينة جيجل أنه يلجأ مع بداية فصل الصيف إلى الإقامة رفقة زوجته وأولاده في منزل والديه أو في ''الدار الكبيرة'' كما يحلو له تسميتها، قبل أن يشرع في كراء شقته للعائلات القادمة من الولايات الداخلية. مشيرا إلى أن شقته تتوفر على ثلاث غرف، إلا أنه يقوم بكراء غرفتين فقط، على أن يخصص الغرفة الثالثة لحفظ الأثاث الذي لا يترك في متناول المصطافين. بينما أكد ''محمد'' من مدينة العوانة، أنه يقوم بتوزيع أبنائه على الأقارب لضمان كراء مسكنه، وقد اعتاد التعامل -مثلما أضاف- مع عائلتين أضحت تقصده كل موسم. السماسرة يلهبون الأسعار ولم تتوقف ظاهرة كراء الشقق والمنازل الفردية للمصطافين عند حدود منطقة معينة أو نمط محدد، بل شملت الظاهرة في السنوات الأخيرة وبالإضافة إلى الفيلات والشقق المجهزة، حتى الأكواخ والبيوت القصديرية وبعض الأسطح الإسمنتية للسكنات الفردية وكذا المحلات والمستودعات، تماشيا مع طلبات المصطافين من دوي المستويات الضعيفة، حيث كشف مواطنون من بلدية زيامة منصورية الساحلية، أن هناك العديد من البيوت القصديرية بحي الطرشة، تم إيجارها الموسم الماضي، موازاة مع قبول عائلات بتمضية أيام من عطلتها فوق أسطح المنازل أو داخل محلات، المهم في كل ذلك بالنسبة لهاته الأخيرة هو ضمان الهروب من لفح الحرارة بالمناطق الداخلية أو الصحراوية بأرخص الأثمان. هاته الوضعية زادت من عدد السماسرة والوسطاء الذين يتحولون خلال موسم الاصطياف إلى شبه وكالات عقارية، بعد أن يتخذون من بعض الأماكن العمومية والمقاهي وكذا طاولات بيع السجائر كمواقع لنشاطاتهم، وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر كراء الشقق الذي يتراوح بين 2000 و6000 دينار لليوم الواحد في أغلب المدن والتجمعات السكنية، وذلك حسب خصوصية كل شقة من حيث موقعها والتجهيزات التي تتوفر عليها. 2500 عملية كراء سنويا تحصي مصالح مديرية السياحة تسجيل كراء أزيد من 2500 بين شقة وفيلا كل موسم اصطياف على مستوى البلديات الساحلية للولاية، وهو رقم آخذ في الارتفاع، على اعتبار العجز الذي تشهده المنطقة في مجال مرافق الاستقبال، سيما الفنادق التي لا تتجاوز طاقتها الإجمالية 2050 سرير. وإذا كانت نسبة معتبرة من هاته السكنات، هي عبارة عن سكنات تظل شاغرة على مدار السنة وتحولت إلى عقارات يجري المتاجرة بها في هذا مجال، في ظاهرة زادت من أزمة السكن على مستوى الولاية، باعتبار أن عملية كراء أية شقة في باقي أشهر السنة تتم شرط مغادرة المستأجر لها عند حلول موسم الإصطياف، مما يجعل هذا الأخير في حيرة من أمره عن الوجهة التي سيسلكها رفقة عائلته. فإن ذات المصالح اعتبرت بأن العدد الكبير من الشقق التي يتم كراؤها كل موسم للمصطافين، لا تمر عبر الطرق القانونية، مما يجعل الخزينة العمومية لا تستفيد من مداخيلها، خاصة في ظل غياب نصوص قانونية لتنظيم هاته العملية التي تطبعها فوضى كبيرة. رحلات صيفية تنتهي بزواج والواقع أن ظاهرة كراء الشقق -حسب الكثير من المواطنين- لم تعد تقتصر على الجانب المادي، بل وصلت إلى نسج علاقات عائلية، من خلال المصاهرة التي وقعت بين العائلات المستقبلة والوافدة، خاصة وأن ظروف التأقلم وبساطة الأجواء تدفع أغلبية العائلات المصطافة إلى الإرتباط اللاإرادي بالمكان، حيث أن هناك من المصطافين -يضيف هؤلاء السكان- الذين قضوا عطلهم بالمنطقة لسنوات متتالية وفي نفس الشقة المستأجرة، مثلما يحصل ببعض المدن الصغيرة على غرار سيدي عبد العزيز، تاسوست وزيامة منصورية التي تقصدها تقريبا نفس العائلات سنويا.