القاعدة الاقتصادية التي تقول: العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، هي قاعدة تنطبق تماما على الساحة السياسية. فالعملة الرديئة التي احتلت الساحة السياسية صارت مشكلة أمام أي محاولة إصلاح. لأن هذه الرداءة استحكمت بشكل إرادي، إنها نظام يعيد إنتاج نفسه. والمشكلة في نظام الرداءة هذا أنه يطرد ''العملة الأخرى'' لأسباب متعددة. أولا: ومثلما يقول المثل الشعبي ''اللي يخلط روحو مع النخالة ينقبوه الدجاج''، ولهذا الكثير ينأى بنفسه عن هذه النخالة. ثانيا: لا يمكن التعايش مع الرداءة لأنها طاردة وتعتبر أي مستقيم وكفء خطرا عليها. هذه العملة الرديئة الطاغية في الساحة لا تتقن أي شيء ولا حتى إنتاج خطاب سياسي مقبول. لا تعرف أي لغة ولا علاقة لها بالسياسة في معناها السامي. إنها تعتبر السياسة طريقا للتسيّد على الناس وطريقا للثراء وطريقا للتمكن من مخالفة القانون من دون مساءلة أو عقاب. إنه مرض خطير لا بد أن يغسل المجتمع نفسه منه في أقرب وقت. ألم يقل وزير العدل إنه لو طبّق القانون فإن الحصانة سترفع على أغلبية النواب؟ لكنه لم يقل لنا كم من وزير ينبغي أن ترفع عنه الحصانة أيضا. فالنظام عام، وإذا كان النائب يستطيع مخالفة القانون فالوزير يمكنه أيضا. إن نظام الرداءة هذا يمكن حتى من هم أقل من الوزير والنائب من مخالفة القانون والسطو على الأموال العامة كلما سنحت الفرصة، وما دام لا رقابة ناجعة قائمة، سواء السياسية منها أو القانونية، فمعنى ذلك أن السطو صار منذ فترة قاعدة، بل ويعتبرها الكثير من هذا القطيع المؤثث للساحة ''قفازة'' والتعفف عن ذلك ''جياحة''! ذلك هو منطق نظام الرداءة. لا يهم ما تقدم للناس أو للبلاد أو للدولة، المهم هو ما تتمكن من السطو عليه من نفوذ ومن ثروة. إن السؤال الذي يطرحه البعض: ألا يوجد من يستطيع غسل البلاد من هذه الرداءة؟ الجواب واضح: نظام الرداءة طارد ولا يستقطب إلا من يخدمه ويحميه. لا بد من نضال من نوع آخر.