بالأمس القريب، كانت العائلات البليديّة تعدّ العدّة لإحياء تقاليد الشعبانية بإقامة جلسات نسائية لا تخلو من روح المداعبة في المباهاة بما صنعت أنامل أيديهنّ تحضيرا لرمضان، كما كانت تلك ''اللمة'' فرصة لتسامح وتصالح المتخاصمين في جو من المحبة والإخاء. تقول سعاد بنت السلطان ''لا يمكن تفويت فرصة توديع شهر شعبان دون حضور كل أفراد العائلة والأحباب بدعوة من كبارها'' و''لا تكتمل قعدة الأحباب دون أن يخرج الطرفين المتخاصمين متسامحين'' فالهدف من إحياء تقاليد الشعبانية لدى العائلة البليدية هو إضفاء روح التصالح وتوطيد العلاقات الاجتماعية وتمتين صلة الرحم استعدادا لشهر الرحمة والتوبة والغفران، كانت النسوة تُحسن استقبال شهر تحصين أواصل التكافل والترابط الاجتماعي - تضيف سعاد - فبصينيّات الشربة المقطفة ''سيّدة مائدة رمضان'' والمعكرون الأعمى وعلب المربّى والخضروات المصبّرة تدخل المدعوّات بيت الجارة المضيفة لإقامة جلسة نسائية بحتة لا تخرج عن نطاق المساءلة عن آخر التحضيرات لاستعداد رمضان، فتذهب كلّ واحدة منهنّ في استعراض أبهى ما صنعته أنامل أيديها من تحويل الفلفل الأحمر إلى العكري الذي يضاف إلى الطماطم أثناء إعداد الشربة للتقليل من نسبة الحموضة، والويل لمن خانتها ظروفها في عدم اكتمال ترتيبات رمضان، خاصة أشغال المنزل ''النفيض'' حيث تتلقى وابلا من العتاب واللّوم ف''الشطارة واجبة في مثل هذه المناسبات وهنا تبان حنّة اليدين'' توضّح خالتي غنيّة ''أنّ العتاب يجنّب المرأة موقفا مماثلا قد تتعرّض له من الغرباء''، فيما تتّجه أخريات إلى تلقين فتيات في عمر الزهور فنون الطبخ التقليدي فتلك تسأل عن ''صبيعات العروسة'' وأخرى عن الصّامصة والخشخاش. وفي صمت داعب خيال السيدة سعاد التي تربّت في بيت السلطان الكائن بحي الدويرات العتيق، غاصت بنا في أعماق هذا التقليد الذي يتزامن والأيام الأخيرة من شهر شعبان قائلة ''فرض علينا تغيّر النمط الحياتي والركض وراء لقمة العيش الإستغناء عن إحياء الشعبانية التي ارتبطت بعادات عريقة ورثها البليديون عن أجدادهم، فمرأة اليوم لا تعرف جارتها أصلا ولا تودّ توطيد علاقة القرابة بحكم انشغالاتها، كما باتت سيدة اليوم مؤهلة تكنولوجياً للاتصال بعائلتها وأحبابها.