شابت الكتابة الموسوعية للفرق الإسلامية والمذاهب الدينية الذاتية والتّعصّب في معظمها، وقد حاول أحمد أمين في ''فجر الإسلام'' و''ضحاه'' و''ظهره'' في منتصف القرن الماضي التّقليل من غلواء التّكفير وتجاوز التّعصّب، لكنّه بقي مُخلصاً لروح كتب ''الملل والنحل'' السّنية. ورغم مجهود الشيخ محمد عبده التنويري في إنصاف مثلاً المعتزلة، وإدراك بعض مشايخ الأزهر لخطر تبنّي رؤية الملل والنحل السائدة كعلي عبد الرازق الّذي كتب ''الإسلام والحكم'' وانتصار مصطفى سامي النشار لعلم الكلام، لم نحقّق في عالم الفكر الإسلامي اليوم موسوعة موحّدة علمية لتاريخ الفرق الإسلامية، وظلّت كلّ فرقة، بمن فيها الباحثون الجامعيون المنتمون لهذا المذهب أو ذاك، مأسورين بروح النّص الملّي الّذي ينتمون إليه. ففي المجتمعات السُّنية، هيمَنَت الكتب التالية: ''الفرق بين الفرق'' للبغدادي، و''الملل والنحل'' للشهرستاني، و''الفصل في الملل والأهواء والنحل''، وعند الشيعة ''الكافي'' للكليني، أما في الوسط الإباضي، فكتب علي يحيى معمر وأبو الربيع الباروني هي الشّائعة، وحتّى الفكر العربي المعاصر الّذي دعَا أصحابه إلى الحداثة والمنهجية العلمية في فترة سابقة روّج الماركسيون العرب الدعوة إلى اعتبار المعتزلة وحركات القرامطة والزنوج والإسماعيلية حركات ثورية وعقلانية. ولم يسلم محمد عابد الجابري من ذلك، إذ ميله السنيّ واضح في موقفه من التّشيّع والتّصوف العرفاني. وفي مجال التّصوف، ظهرت موسوعات ومعاجم أصحابها مصابون بحالات الوجد والمكاشفات. أمّا بعض المراكز البحثية في الحركات الإسلامية المعاصرة، فهي تدّعي البحث العلمي، لكنّها في الحقيقة تشتغل ضمن استراتيجية أمنية. طبعاً، حلم الرؤية الموضوعية العلمية يبقى قائماً في مثل هذه الكتابات، واعتبار ''الموسوعة'' مسألة علمية وليس فقط حشو معلومات خاضعة لاعتبارات ايديولوجية.