تمر ليالي شهر رمضان بولاية النعامة في أجواء حميمية، تغلب عليها السهرات العائلية بالبيوت حول صينية الشاي المرصعة بالأباريق والكؤوس وأطباق الكسكسي، أو ما تعرفه الذاكرة الشعبية بالسفة المفتولة بأنامل المرأة الحميانية، نسبة إلى قبيلة حميان. وسط هذا الديكور الذي يزيّن المائدة الرمضانية عقب الإفطار، والذي يعدّ من صميم العادات والتقاليد المتوارثة بالمنطقة، استقبلتنا عائلة ''براني الحاج ولد بركة'' بمدينة المشرية، في جلسة تشعّب فيها الحديث عن نكهة رمضان، بكل ما يحمله هذا الشهر الفضيل من تحضيرات وحنين إلى السنوات الماضية رغم ثقلها ومظاهر الغبن التي كانت تميزها، على حد تعبير الحاج، الذي استهل كلامه بالحديث عن مائدة رمضان عندما كانوا بدوا رحلا، والتي كانت بسيطة في كل شيء، ولا تخل من الحريرة وحليب الشياه وحبات تمر ''الحميرة''، يعقبها الانصراف إلى القطيع ثم العودة لتناول السحور، والذي لا يمكن أن يكون غير السفة واللبن وأحيانا أخرى الشاي. أما ''الحاجة الزهرة''، فقد فضلت أن تبدأ كلامها عن الأيام القليلة التي تسبق شهر الصيام، حيث تتفنّن النسوة في تحضير التشيشة، وهي المادة الأولية في إعداد قدر الحريرة، ثم تحضير المهراز لطحن العقاقير والتوابل التي بدونها لا معنى ولا طعم لهذه الحريرة، التي لا بديل عنها في هذا الشهر سوى بأطباق المرمز، كما تقول الحاجة الزهرة، التي مازالت تحنّ لأيام زمان، حيث تلتم العائلات في سهرة ليلية تستمر إلى ساعة متأخرة من الليل، يتجاذبون فيها أطراف الحديث والأحاجي والسمر والألغاز المستمدة من الثقافة الشعبية على غرار ''راه راه والعلام موراه'' في إشارة إلى اليربوع، و''لولو في حفيرة'' ومعناها النار. ''كنا بسطاء''، تقول الحاجة الزهرة، بساطة الإنسان القنوع، لأن رمضان كان يعني لنا الإيمان والصبر والعبادة. أما ''الحاج الشيخ براني''، أحد رموز الأسرة الثورية في مدينة المشرية، فقد تحدث عن صلاة التراويح التي كان يؤمهم فيها معلم القرية الذي كانت تحضره العائلات ليعلم الأطفال حفظ القرآن، ولم ينس مذاق ماء الفربة، وصيامهم أيام الحر التي كانت تتزامن وموسم الحصاد والدرس، الذي يضاف إلى مشقة الاعتناء برؤوس الماشية التي تعدّ مصدر رزقهم على مدار السنة. في حين اقتصرت أحاديث كل من بركة والجيلالي وبوجمعة وأفراد العائلة الآخرين على رمضان الحاضر، وما يميزه من مظاهر الترف والإسراف والسهرات التي احتلت فيها برامج الهوائيات المقعرة صدارة الأحاديث.