في أواخر السبعينيات حتى 1983 كان أبناء حي باب الجديد، بقصبة الجزائر العاصمة، وفي رمضان كل سنة، يتضامنون وكلهم يد واحدة للتكفل بختان أطفال حيّهم، يتقدمهم علي بوشلاغم، أخ الشهيد بوعلام رحمه الله. في ذلك الوقت، وأنا صغير، كنت أستمتع بمشاهدة حفلات الختان الخيرية التي تنظم في أعالي القصبة، وتستقطب عشاق أغنية الشعبي عموما، والحاج الهاشمي فروابي، رحمه الله، خصوصا، الذي لم يغب عن الحفلات التطوعية التي كانت تنظم لصالح المعوزين والفقراء قط. كانت الحفلات الخيرية تنظم وقتذاك على الطريق الرئيسي لحي باب الجديد، أمام مدخل مدرسة ''ذبيح شريف''.. يحضرني وأنا أقلب صفحات الماضي وأجول بين دهاليز ذاكرتي، ما حدث وأنا طفل ولقائي بالهاشمي فروابي، كنت أتأهب حينها رفقة أترابي من أولاد ''الحومة'' الشغوفين بفروابي لحضور حفل خيري من توقيعه، وكان أن أردنا الجلوس في الصف الأول، إلا أن علي بوشلاغم، مسؤول الحفل، طردنا، لولا تدخل المرحوم فروابي لمنع ذلك، وقال حينها ''خويا علي.. هؤلاء هم رجال المستقبل''، وهو ما جعل علي يكفّ عن طردنا، فأكملنا السهرة رفقة أعمدة أغنية الشعبي، والجوق الذي كان يرافق الهاشمي فروابي، على غرار المرحوم ''بابو''. ورغم مرور عدة سنين، لا زال الحديث الذي دار بين علي بوشلاغم والشيخ الهاشمي فروابي، بعد نهاية الحفل الخيري، راسخا بذهني.. أذكر حين تقدم بوشلاغم من فروابي لدفع أجر حفله، إلا أن المرحوم رفض الأمر رفضا قاطعا، قائلا ''خسارة عليك خويا علي، كيما أنت تحب تدير الخير وتدخل للجنة، حنا تاني نحبو نديرو الخير''، ليؤكد فروابي بموقفه ذلك أن كونه أحد أعمدة أغنية الشعبي، لا يلغي البتة تواضعه ومساندته للأعمال الخيرية، والمشاركة في حفل ختان أزيد عن 123 طفل خلال شهر رمضان سنة .1983 وبعد مرور السنين، وباشتداد عودي، لم أكن أتصور أنني سأعتلي يوما المنصة رفقة الحاج الهاشمي فروابي، إلا أن محاسن الصدف شاءت أن تجمعنا في حفل كبير بقاعة ''حرشة'' بالجزائر العاصمة سنة 2004 حيث دار حديث شيق بيني وبينه، وسدّد لي بعض النصائح وغمرني بتشجيعاته التي كانت دعما معنويا ومحفزا كبيرا كنت بحاجة إليه. كما شاءت مساوئ الصدف أن تجعلني أحضر مراسم تشييع جنازة أغنية الشعبي، أو عفوا عميد أغنية الشعبي، بقصر الثقافة بالعاصمة، وكان لي شرف إلقاء قصيدة نظمتها ترحما على روحه ''قبل ما تدفنوه.. خلوني نشوفو''، الله يرحمك يا الهاشمي.