سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
''اللمسة الأمنية'' تطغى على مقترحات وزارة الداخلية في الإصلاحات السياسية ثلاثة مشاريع قوانين تعطي الإنطباع أن الجزائر ما تزال تحت وطأة ''حالة الطوارىء''
طغى ''البعد الأمني'' على النظرة السياسية في كثير من بنود القوانين الثلاثة التي أعدتها وزارة الداخلية في سياق وعود الإصلاح السياسي، وتعطي القراءة الأولية لمشاريع القوانين انطباعا أن الجزائر ما تزال تحت حالة الطوارىء، بإبقاء الاهتمام بمسار الأشخاص والأحزاب ومرجعيتها وتمويل الجمعيات وعلاقات أعضائها أكثر من الاهتمام، بفسح مجال أوسع للشفافية والحرية في النشاط والمعتقد السياسي. لم تتحرر وزارة الداخلية من عقلية ''حالة الطوارىء''، قياسا للإنطباعات الأولى من قراءة مشاريع قوانين الأحزاب، الإنتخابات والجمعيات. وتعطي المواد المقترحة تصورا إما أنها مقترحات قديمة تعود لفترة الوزير السابق نور الدين يزيد زرهوني، وإما أن وزارة الداخلية كأحد أجهزة السلطة، لم تفهم بعد طبيعة متغيرات الشأن السياسي الداخلي متأثرا بالمحيط الإقليمي، حيث سرعان ما عادت لفرض نفس المنطق في التعاطي مع العمل السياسي والجمعوي، على أن كلاهما مجرد كتل جماهيرية تحتاجها السلطة كواجهة وليس قوة اقتراح مضادة، ما يتوخى إبقاء الوصاية على نشاطهما. وتظهر بنود ''حالة الطوارىء'' في قانون الأحزاب، من خلال عجز وزارة الداخلية عن إعطاء أجوبة لفراغات كانت موجودة في القانون الساري المفعول حاليا، والذي خلف ''مآسي'' كثيرة بالنسبة للأحزاب السياسية قيد التأسيس، أو أثناء وقوع خلافات داخل الحزب الواحد،حيث يمكن للداخلية التدخل متى شاءت، وفي نفس الوقت التحجج بعدم القدرة على التدخل في شأن داخلي في الوقت الذي تشاء أيضا. ولا يحدد قانون الأحزاب أيضا هوية ''الممنوعين من النشاط السياسي''، فيحيل الأمر على قانون المصالحة الوطنية، الذي يمنع ''المتورطين في المأساة الوطنية'' من النشاط السياسي، لكنه لا يحددهم بأسمائهم أو الأفعال الجنائية التي تورطوا فيها. وأغرب ما في المشروع التمهيدي للقانون أنه لم يفكر في تقديم شيء إضافي لما هو موجود في شأن تأسيس حزب جديد، إذ يبقي على التصريح عن طريق إيداع ملف لدى وزارة الداخلية، في مقابل تسليم وصل إيداع للتصريح، مع إعطاء وزير الداخلية أجل 60 يوما، للتأكد من مطابقة التصريح التأسيسي للحزب السياسي، وهو ما يكرس استمرار ما يعرف ب''النظام غير المنظور'' دون العودة للقوانين السارية أو محتوى دستور البلاد. ومعلوم أن كثيرا من الأحزاب استوفت الشروط في القانون الساري المفعول، وبعد مرور سنوات لم يرخص لها دون أدنى حجة. وتظهر خلفية ''حالة الطوارىء'' في جعل وزير الداخلية مسؤولا في فترة ال60 يوما تلك من التحقق من شروط عضوية أشخاص، ويمكنها سحب أي عضو لا يستوفي الشروط المطلوبة قانونا. ولا تعطي التصورات المقترحة من قبل وزارة الداخلية، الفرصة لبروز آليات انتخابية جديدة قد تتدخل في مراقبتها السلطة القضائية، على خلفية استحواذ الوزارة على الاستشارات الإنتخابية، رغم وعودها بفرض الحياد على موظفي الإدارة العاملين على إنجاح العملية الإنتخابية، أما في قانون الجمعيات ف''حالة الطوارىء'' تبرز في عدم تقديم الوزارة لمقترحات تخلص الجمعيات من التبعية للوصاية عبر المساعدات المالية، وكذا في عدم سعيها إلى خلق مجتمع مدني حقيقي في البلاد بإمكانه المشاركة، ودعم ما يسمى ب ''الديمقراطية التشاركية''. والشائع سابقا أن ''النظام غير المنظور'' من يقرر تقديم المساعدة لتلك الجمعية أو منعه عن تلك، ما يبقي كثيرا من الجمعيات مجرد أبواق لسياسات الحكومة، على حساب دورها الطبيعي في تأطير أفراد المجتمع. بل إن القانون المقبل يشدد في المسائل المتعلقة بمصادر التمويل، وكذا مطالبة الجمعيات بضرورة تقديم حصيلة دورية عن نشاطاتها الاجتماعية. يحدث هذا من طرف وزارة دحو ولد قابلية في الوقت التي تحولت مواقع التواصل الاجتماعي ''الفيس بوك''، إلى جمعيات قائمة بذاتها لا تنتظر من وزارة الداخلية الإشارة الخضراء لتتواصل في الداخل والخارج، ولعل ما حدث في الثورات العربية أبلغ دليل على ذلك.