اصرف عنايتك إلى أمر القلب والباطن، فقد قال عليه السّلام: ''إنّ الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنّما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم'' أخرجه مسلم وابن ماجه وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وروي بلفظ: ''صوركم ونياتكم'' ورجال أحمد ثقات. فحَقِّق قولك بعملك، وعملك بنيتك وإخلاصك، ونيّتك وإخلاصك بتصفية ضميرك وإصلاح قلبك، فإنّ القلب هو الأصل، وعليه المدار. وفي الحديث: ''ألاَ في الجسد مُضغَة إذا صلُحَت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد الجسد، ألاَ وهي القلب'' متفق عليه، فوجب الاهتمام به وصرف العناية إلى إصلاحه وتقويمه، وهو (القلب) سريع التّقلُّب، كثير الاضطراب، حتّى قال عليه الصّلاة والسّلام فيه: ''إنّه أسرع تقلُّبًا من القِدر إذا استجمعت غليانها'' أخرجه أحمد والحاكم من حديث المقداد رضي الله عنه، وهو حديث حسن. وكان عليه السّلام كثيرًا ما يدعو: ''يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك'' أخرجه مسلم والترمذي وغيرهم من حديث أنس رضي الله عنه. ويقول: ''إنّ القلوب بين إصبعين من أصابع الرّحمن، إن شاء أقامها وإن شاء أزاغها'' أخرجه مسلم والترمذي. وكان عليه والسّلام إذا حلف واجتهد في اليمين يقول: ''لا، ومُقلِّب القلوب'' أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وقال تعالى حاكيًا عن إبراهيم خليله عليه السّلام:{ ''ولاَ تُخْزِني يومَ يُبعَثون يومَ لا ينفَعُ مالٌ ولا بنون إلاّ مضن أتَى الله بقلبٍ سليم} الشعراء 87 .89 فاحرص كلَّ الحرص، رحمك الله، على أن تأتي ربَّك بالقلب السّليم من الشرك والنّفاق، والبدعة ومنكرات الأخلاق، مثل الكبر والرياء والحسد والغش للمسلمين وأشباه ذلك، واستعِن بالله، واصبر واجتهد وشمِّر، وقل كثيرًا {ربَّنا لا تُزِغ قلوبَنا بعد إذ هديتَنا، وهَب لنا من لَدُنْكَ رحمة إنّك أنت الوهاب} آل عمران .8 فبذلك وصف الله الرّاسخين في العلم من عباده المؤمنين.