انتقد مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والماليين الدوليين الطريقة التي تعتمدها السلطات الجزائرية في استغلال احتياطي الصرف، الذي بلغ مستواه 91,173 مليار دولار في نهاية جوان الماضي. وأكدوا أن كيفيات توظيف هذه الموارد سيعرّضها للتبذير. فتح 11 خبيرا اقتصاديا وماليا جزائريا النقاش حول توظيف الجزائر لاحتياطي الصرف البالغ 91,173 مليار دولار، حسب آخر المعطيات التي أعلن عنها محافظ بنك الجزائر محمد لكصاسي. ويتعلق الأمر بكل من الأستاذ بجامعة مونريال الطيب حفصي، ومستشار الاستراتيجية لحكومة كندا، زوبير مرتضى، وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة نيس الفرنسية، بوعلام بلوات، وأستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة بجاية، فريد يايسي، وأستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة الجزائر، ناجي سفير، وأستاذ بالمدرسة العليا للإدارة في كندا بشير معزوز، والأستاذ في العلوم الاقتصادية ومدير مركز الدراسات التطبيقية للتنمية أحمد بويعقوب، والخبراء الدوليين للمالية عطو عبو وكميل ساري وعمر برقوق. وهو نشاط قام بتنسيقه الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول. وفي محصلة لهذا النقاش، تحصلت ''الخبر'' على نسخة منها، أبدى هؤلاء الخبراء مجموعة من الملاحظات تؤكد سوء استغلال احتياطات الصرف الجزائرية. وأولى الملاحظات متعلقة بارتباط نسبة الفائدة لسندات الخزينة التي تملكها الجزائر، مقابل توظيف احتياطي الصرف في البنوك المركزية، وهي 3 بالمائة حسب ما أعلن عنها محافظ بنك الجزائر. إضافة إلى إن هذه النسبة تتوافق مع توظيفات المدى الطويل، التي تتراوح ما بين 10 سنوات إلى 30 سنة، ولا يمكن سحب هذه الأموال قبل الآجال المتعاقد عليها دون خسارة مردودية السندات. هذه المردودية تظل منعدمة، في ظل نسبة التضخم المسجلة في الدولة التي قامت السلطات بتوظيف احتياطي الصرف فيها. ويعتبر هذا التوظيف خاطئا بناء على مبدأ الحذر الواجب أخذه بعين الاعتبار، فالجزائر يمكن أن تحتاج إلى أموالها قبل انتهاء أجال التوظيف، حسب التحليل الصادر في المحصلة. من جهة أخرى، انتقد هؤلاء الخبراء الغموض في تسيير احتياطات الصرف، وشككوا في إمكانية امتلاك الجزائر الوسائل التقنية، مثل البرمجيات، لمراقبة ومتابعة تطور قيم السندات التي تمتلكها،، وهو أمر يساهم في غياب رؤية مستقبلية لاستغلال أموال الجزائريين في الخارج. وقد صنف هؤلاء الخبراء الجزائر ضمن الدول التي تبحث عن استعمال احتياطي الصرف لإرسال إشارات الأمان نحو الأسواق الدولية، في غياب استقرار سياسي، وارتفاع مخاطر الاستثمار، لجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز صورة الجزائر على أنها قادرة على تحمل التزاماتها الخارجية، فهي تحاول جمع أكبر قدر من الأموال وتوظيفها، حتى وإن كانت هذه الخطوات تفتح المجال للتبذير. وفي غياب قدرات امتصاص الموارد المالية المتوفر في الاقتصاد الجزائري، تم اقتراح عدم استخراج الثروات الباطنية المتمثل في المحروقات إلا بالقدر الذي تحتاجه البلاد من الأموال في آجال محددة، وترك الثروات للأجيال القادمة، بما أن استغلالها عبر توظيف احتياطي الصرف بالشكل المعتمد حاليا يفتح المجال للتبذير، وتشجيع اقتصاد الريع. وقد اتفق الخبراء على أن الجزائر لها قدرات التقدم، بشرط وجود إرادة سياسية لإحداث مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تمكن من تجاوز الصعوبات التي تتخبط فيها البلاد. فلا يمكن إحداث طفرة اقتصادية واجتماعية في ظل ارتباط النخبة الجزائرية وأتباع النظام باقتصاد ريعي، وفي وقت يعتقد أصحاب القرار أن تسيير احتياطي الصرف الجزائري سر من أسرار الدولة، لا يجب الخوض فيه، ولا كشفه. وهو أمر اعتبره الخبراء الماليون خاطئا، ولابد من تجاوزه، لأنه مرتبط بمصير بلاد سيصبح عدد سكانها خلال 25 سنة القادمة 50 مليون نسمة، وهي فترة متوقع أن تنفذ بعدها الثروات الباطنية للدولة، والمتمثلة في المحروقات.