يطرح التعامل مع شركات التأمين الكثير من المشاكل للمؤمنين على سياراتهم، حيث ''تتبخر'' في غالب الأحيان الوعود والخدمات ''المميزة'' التي يتم الإشهار لها، لتتحول المعاملات وطلب التعويض عن أي حادث سير أو سرقة، إلى رحلة طويلة من المتاعب. سمحت الجولة التي قادت ''الخبر'' إلى عدد من وكالات شركات التأمين العمومية والخاصة بالعاصمة، بالوقوف على حالة ''التذمر'' لدى الزبائن. ويقول توفيق الذي كان يعد دقائق ساعة يده لمدة، وهو متذمر ''أنا هنا منذ حوالي ساعة، ولم أفهم شيئا، فالبارحة اتصلوا بي عبر الهاتف وأخبروني بأنه بإمكاني القدوم لسحب الصك الخاص بالتعويض عن حادث المرور، لكني مازلت أنتظر''. وتشاطر توفيق الذي ترك عمله من أجل استخراج الصك من دون جدوى، السيدة حياة التي تقول بأن سيارتها سرقت، وهي الآن ''في مفاوضات'' مع شركة التأمين، التي مازالت تتردد في تمكينها من مبلغ التعويض. وتقول ''وكأنني أنا من سرق السيارة، هل يعقل أن نتحصل على مبلغ زهيد، ونحن لم نتردد في تسديد مستحقات التأمين على السيارة يوم إبرام العقد''. وسواء كانت وكالة التأمين عمومية أو خاصة، فإن المشهد نفسه، حيث يقول حميد، الموظف بشركة أجنية، ''أنا سددت مبلغ 8 ملايين سنتيم لتأمين سيارتي الجديدة، ووعدت بأن أحظى بكل الامتيازات التي تجعلني أختار شركة التأمين على الأخريات، لكني أعاني اليوم كثيرا، وأفكر في تغيير الشركة، غير أنني متأمد بأن المعاناة واحدة''. وسبق لحميد أن أودع كل الوثائق الخاصة بحادث المرور الذي تسبب في تحطيم الجناح الأيمن لسيارته، ودعم الملف بفاتورة إصلاحها، لكن المبلغ الذي تلقاه في نهاية الأمر يقل بكثير عن المصاريف التي تكبدها. وفي مقابل عملية التعويض وتقديم الملفات، يقضي الزبائن من المؤمنين على مركباتهم وقتا طويلا في قاعات الانتظار، بسبب ''غياب'' أو ''انشغال'' الخبير، الذي يعاين الأضرار. ويقول ''سمير'' الذي كان يتشاجر مع أحد موظفي وكالة التأمين ''أنا هنا أنتظر والخبير غير موجود، هل يعقل هذا؟''. ومع كل ''خيبات الأمل'' التي يصاب بها المؤمنون على سياراتهم على مستوى شركات التأمين، تقدم بعض الوكالات ''خدمات'' لا تعقل، بحيث يتحصل في بعض الحالات المؤمن على صك التعويض من الوكالة التي تكون في بلدية ما، أما البنك الذي يتم منه استخراج الصك فيكون في بلدية أخرى. ويعتبر أغلبية المؤمنين أن المزايا والإغراءات التي يعلن عنها من طرف شركات التأمين مجرد وهم وخيال، لأن حقيقة التعامل معهم عكس ذلك تماما، كما أنهم يتعاملون مع الزبائن بنفس ''ذهنية'' الإدارة الجزائرية، التي تمارس باحترام سياسة ''البيروقراطية''. السيارات تحتل 70 بالمائة من السوق الجزائر في المرتبة 70 عالميا من حيث قيمة منح التأمين تعرض مؤسسات التأمين في الجزائر العديد من الخيارات لزبائنها فيما يتعلق بتأمين سياراتهم، حيث يمكن لأي مواطن إما تحديد الأشياء التي يريد تأمينها كالزجاج والسرقة وحتى الحوادث والحرائق، أو يمكن أن يختار التأمين الشامل على سيارته، والسعر يكون دائما أكبر كلما ارتفعت نسبة التأمين. وبسبب نقص المنافسة وسيطرة المؤسسات العمومية على سوق التأمينات في الجزائر، يجد المواطن نفسه أمام خيارات محددة في التأمين، لكن الأسعار تبقى جد متقاربة بين المتعاملين سواء كانوا عموميين أو خواص. ويعد التأمين الشامل على السيارة أغلى التأمينات المقترحة، حيث إن القيمة الأولية للتأمين تمثل حوالي 4 بالمائة من قيمة السيارة المؤمنة تضاف إليها قيمة التأمينات الأخرى وكذا الضرائب ما يجعل قيمة التأمين على سيارة يقدر ثمنها بحوالي 83 مليون سنتيم في حدود حوالي 45 ألف دينار لسنة تأمين شامل. ويلجأ الكثير من المواطنين الذين يملكون سيارات جديدة إلى مثل هذا التأمين، ولكن أغلبهم يقوم بذلك في إطار الاتفاقيات الموقعة بين المؤسسات وشركات التأمين والتي تمنحهم تخفيضات في حدود حوالي 50 بالمائة من القيمة الإجمالية للتأمين. في حين يلجأ العديد من المواطنين الذين يملكون سيارات قديمة إلى التأمين المحدد سواء الحوادث أو تكسير الزجاج، وهذا بحثا عن تخفيض سعر التأمين، حيث يبحث المواطن في كل مرة على تخفيض السعر والحصول على تأمين يسمح لهم بتفادي الوقوع تحت طائلة عقوبات قانون المرور. وعرف سعر التأمين الإجباري على السيارات في السنوات الأخيرة ارتفاعا وهذا بطلب من مؤسسات التأمين التي أكدت أنها تتعرض لخسائر كبيرة بسبب الأسعار المطبقة، وهو الطلب الذي وافقت عليه الحكومة، حيث تم رفع سعر التأمين على السيارات، والذي يشكل حوالي 70 بالمائة من سوق التأمينات في الجزائر. وهذا ما تسبب في بقاء قطاع التأمينات في الجزائر من أضعف القطاعات في المنطقة المتوسطية، رغم تعدد الفاعلين وتحرير السوق، حيث أشارت عدد من الدراسات أن سوق التأمينات الجزائري احتل المرتبة 70 عالميا من حيث قيمة منح التأمين، مقارنة بالناتج الداخلي الخام. كما احتلت الجزائر المرتبة 12 في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحسب التقارير فإن السوق الجزائرية لا تزال ضعيفة مقارنة بأسواق المنطقة؛ حيث رغم أن الأرقام الرسمية في الجزائر تؤكد أن السوق عرف نموا في حدود 10 بالمائة سنويا خلال العشرية الماضية، إلا أن الجزائر ل تزال متأخرة وفي المرتبة ما قبل الأخيرة بين بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي مستها دراسة المؤسسة السويسرية. رئيس اتحاد شركات التأمين وإعادة التأمين عمارة العتروس ل''الخبر'' الاتكال على الدولة قلص مساهمة المواطن في التأمين اعتبر السيد عمارة العتروس رئيس اتحاد شركات التأمين وإعادة التأمين أن تقلص دور الدولة الراعية التي تقوم بالتعويض الكامل والآلي للأضرار سيدفع تدريجيا المواطنين إلى تحمل جزء من التكلفة المتعلقة بالتأمين وبالتالي الاشتراك بصورة أكبر. وأوضح العتروس أنه على عكس ما هو رائج، فإن متوسط الاشتراكات في التأمين بالنسبة للفرد الجزائري أو نسبة الكثافة للتأمين في الجزائر ليست الأدنى في منطقة المغرب العربي، ولكنها الأعلى مقارنة بتونس والمغرب، وأن التقدير الإحصائي الذي يؤكد بأن النسبة أقل يعتمد على العملات المحلية، ولذلك فإن عملات هذه الدول أعلى من الدينار وهو ما يعطي نسبا أعلى. وأشار العتروس في نفس السياق، حينما يقابل الدينار بالدولار والدرهم والدينار التونسي بالعملة الأمريكية، نجد أن النسبة تكون أعلى، كما أن التأمين على المرض والحوادث في المغرب مثلا لا تتمتع بتغطية تأمينية شاملة، وعليه فإن نسبة الكثافة والتغطية التأمينية مقابل الناتج المحلي الخام في الجزائر أعلى من تونس والمغرب، مضيفا أن تقرير المجموعة الدولية لإعادة التأمين السويسرية ''سويسري ري'' بيّن هذا الواقع. أما عن نقص التحسيس التأميني أو قلة مشاركة المواطنين في الاعتماد على التأمين، فقد شدد العتروس على أهمية إشراك وتحسيس المواطنين بأهميتها، فإذا شعر المواطن بأنه سيخسر أملاكه وممتلكاته إذا لم يقم بالاحتياط ويؤمنها، وأن الدولة يمكن أن لا تتكفل بكل شيء ولا يعوض على كل شيء فإنه سيتحمل جزءا من المسؤولية. فالعقلية الاتكالية تجعل المواطنين يقولون نتركها لله والدولة ستتدخل للتعويض ولإعادة الإسكان في حالة السكنات أو التخريب، وعليه إذا تقلص دور الدولة فإن المواطنين سيساهمون في جوانب من التأمين وليس كله طبعا. ضرورة قراء ةعقد التأمين يوصي الكثير من الخبراء والأخصائيين المواطن بضرورة قراءة العقد الذي تمنحه إياه مؤسسات التأمين، وهذا قبل التوقيع عليه من أجل الاطلاع على حقوقه وواجباته ما يسمح له بتفادي الكثير من المشاكل في حال وقوع حادث أو سرقة السيارة، حيث إن الكثير من المواطنين يجدون أنفسهم من دون حل، لأنهم حين وقّعوا على العقد لم ينتبهوا لبعض المواد التي يتضمنها والتي تؤثر على حقوقهم.