''هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية'' تأسف أغلبية المسافرين لارتفاع سعر التذكرة / محطات فاترة المظهر ومن دون كراسٍ طلّق العاصميون، أمس، وسائل النقل الاعتيادية، ليتوجهوا بالمئات بل بالآلاف إلى قلب العاصمة، لاستكشاف الحلم الذي تحقق بعد طول انتظار، فحوّلوا ''ميترو العاصمة'' في أول يوم يدخل فيه الخدمة إلى معلم تاريخي أو متحف آثار، فتفننوا في التقاط الصور التذكارية.. حتى مع الجدران. 5 رؤساء جمهورية، وحوالي 10 رؤساء حكومة وعشرات الوزراء، تداولوا على إدارة شؤون الجزائر طيلة المدة التي انتظر فيها الجزائريون نهاية أشغال ''ميترو العاصمة''، ومنهم من قضى نحبه دون أن يرى المشروع النور. من محطة ''البحر والشمس''، استهللنا الرحلة الاستكشافية لوسيلة النقل الجديدة التي تدعمت بها العاصمة، وللأسف وقفنا على حتمية جزائرية لا تكاد تفارق أي مشروع جديد، وهذا من خلال بعض النقائص على مستوى الأشغال النهائية التي تم إجراؤها على عجالة ساعات قبل تدشينه من قبل رئيس الجمهورية، فظهرت ثقوب وحفر صغيرة مثلا على مستوى السلالم المؤدية للمحطة.. حفر صغيرة مرشحة لأن تصبح كبيرة مع مر الأيام. نقائص طفيفة ومحطات من دون كراسٍ يبدو أن الأشغال التي أجريت مؤخرا أثرت في نظافة المحطات، حتى وإن كان على العموم مظهرها مقبولا جدا، وعن المظهر قالت سيدة، كانت تنتظر ركوب الميترو باتجاه محطة تافورة ''حبذا لو يتم تزيين الجدران بلوحات أو شيء من هذا القبيل حتى لا يبقى منظر الجدران جافا كما هو الآن''. وما يعاب أيضا على المحطات، هو قلة حتى لا نقول انعدام الكراسي، فحتى وإن كان الفرق الزمني بين رحلة وأخرى لا يتعدى 4 دقائق، حسب ما أعلنته الشركة المسيّرة، فوجود كراسٍ ضروري لعدة اعتبارات، أهمها وجود مسافرين طاعنين في السن قد لا يتحمّلون مشقة الوقوف في حالة ما إذا تأخر وصول الميترو لأسباب تقنية مثلا. بداية تشغيل الميترو هو أيضا بداية التأقلم مع طرق شراء التذكرة، فالموزع الآلي لا بد أن يكون تحت حراسة أمنية على الأقل خلال الأيام الأولى، حيث حوّله بعض الأطفال حين تواجدنا بالمحطة إلى لعبة ''بلاي ستايشن'' ولم يجد (الموزع الآلي) خلاصه إلا بعد تدخل شرطي، ولوحظ في هذا اليوم الأول عزوف أغلب المسافرين عن شراء تذاكرهم من الموزع، مفضلين اقتناءها من الشباك. وأمام أحد الشبابيك، تأسف كهل لعدم مجانية السفر في أول يوم من التشغيل. تواجد كثيف لرجال الأمن فضلا عن أعوان الشركة المسيّرة للميترو، وهي الفرع الجزائري لشركة النقل الباريسي، المكلفين بتوجيه المسافرين أو ''المستكشفين'' في هذا اليوم الأول، بدا جليا التواجد المكثف لرجال الأمن وهذا بداية من مدخل كل المحطات، حيث يتم تفتيش كل الحقائب اليدوية والأكياس، ويتواصل تواجد عناصر الشرطة أمام الشبابيك وعلى أرصفة الخطوط وحتى داخل العربات، ولتوفير الأمن تم تكوين 400 عون شرطة لتأمين ''قطار الأنفاق''. في رصيف محطة ''البحر والشمس''، في حدود الساعة الحادية عشرة ودقيقتين، حوّل الكثير من المسافرين المكان إلى متحف أو معلم تاريخي، فأشهروا هواتفهم النقالة، رغم أن المكان ليس إبداعا في مجال الهندسة، فشرع الحاضرون في التقاط صور تذكارية لبعضهم، مع اختيار أحسن زاوية لذلك، زاوية يمكن أن تظهر معها السكك التي دام تنصيبها، أمتارا تحت سطح العاصمة، ثلاثين سنة. الميترو حط الرحال بالمحطة لحظات بعد ذلك، ليكتشف الجميع العربات إسبانية الصنع، وبدأت التعاليق تتعالى من هنا وهناك، فالتقطت آذاننا ما قالته سيدة بعد أن وطأت قدماها العربة، فكان أول تعليقها: ''ضيّق شوية''، لترد عليها مرافقتها: ''بصح شباب إن شاء الله يخلوه هكذا نقي''. في الوقت الذي لم يتوقف فيه العديد عن التقاط الصور، ظل جموع المسافرين في هذه الرحلة ينظرون شمالا ويمينا وفي سقف وأرضية العربة وكأنهم في رحلة استكشاف في أدغال غابة الأمازون. الرحلة انطلقت في حدود الساعة الحادية عشرة و5 دقائق، التوقف في كل محطة يستغرق بين 40 ثانية ودقيقة، حسب عدد المسافرين النازلين والصاعدين، ليكون الوصول إلى آخر محطة وهي محطة البريد المركزي بعد حوالي 13 دقيقة.. ''صفعة'' لزحمة طرقات قلب العاصمة. هرمنا.. هرمنا بالبريد المركزي، أوصلت عربات الميترو التي كنا على متنها حوالي 150 مسافر، ظلوا مرابطين برصيف المحطة رغم أنها ''ترمينوس'' يمعنون النظر في كل زواياها، في بلاطها الذي نال قسط هاما من الانتقاد، فلم ينل إعجاب الأغلبية لرداءته وفتور ألوانه، وتواصلت عملية التقاط الصور بوتيرة متصاعدة، بالهواتف النقالة، والكثير من الفضوليين اصطحب معه آلة التصوير لتخليد هذا اليوم التاريخي. في رصيف البريد المركزي، استطلعنا رأي بعض الركاب الأوائل لمشروع الثلاثين سنة، فقال شاب: ''وأنا أركب الميترو تذكرت والدي الذي توفي شهر مارس الماضي، وكان كلما نتحدث عن الميترو يقول لي، إنه ينتظره بفارغ الصبر حتى يتمكن من الذهاب إلى سوق ''كلوزيل'' الذي يعشقه بسرعة أكثر من القطار وسيارة الأجرة والعودة إلى المنزل''. شيخ تجاوز العقد السابع، كان كما تقول العبارة الشعبية ''يضحك من عينيه'' استوقفناه لنطرح عليه أغبى سؤال في الصحافة: ''واش هو شعورك الحاج؟''.. فكان رده: ''واش نقولك يا وليدي، مارانيش مآمن''.. يوجه نظراته لسقف المحطة ثم إلى السكك: ''كنت خائفا أن أفارق الحياة دون أن أركب ميترو العاصمة، مشروع طال انتظاره، فقد حطمنا رقما قياسيا، 30 سنة من أجل 9 كيلومترات، لكن الحمد لله هكذا ولا اكثر''. فبداية تشغيل الميترو لم تنس الجزائريين أنهم هرموا قبل هذه اللحظة التاريخية، فكل التعاليق كانت تتحدث عن طول انتظاره. وكان السعر أيضا محل انتقاد، فاعتبره الجميع مرتفعا جدا، وقد يكون سبب عزوف الكثير عن امتطاء الميترو، ولكن لكل مقام مقال، الأهم من ذلك أن الميترو صار، أمس، بالنسبة للكثير حقيقة.