من منّا لا يذكر صرخة ذلك المواطن التونسي بعد هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عندما قال بكل جوارحه وهو يغالب دموعا حارة "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية".. لحظة تحرّر التونسيين من سنوات القهر والاستبداد، ولحظة انتقال تونس إلى عهد جديد يتنفّس فيه الأشقاء نسيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. * هذه الصرخة صرنا نرتلها ونرددها في كرة القدم عندنا وفي كل الرياضات، ونعبّر من خلالها عن أسفنا على أحوال اتحادياتنا ونوادينا ومسيّرينا ومدربينا ولاعبينا وجماهيرنا، وكذلك ملاعبنا ومرافقنا وصحافتنا الرياضية وكل مسؤولي الحركة الرياضية والشبابية عندنا، خاصة أن الانحلال والانحطاط والتلاعب بمشاعر الناس متواصل، والتخلف والتراجع بلغ أدنى مستوياته، وسوء التدبير والتسيير مستمر منذ زمن أمام أنظار وأسماع الجميع، وبتواطؤ مفضوح من طرف الكثير من الصامتين والمتحالفين مع قوى الشر التي يقلقها ويحرجها تألق أبنائنا.. كل الرياضيين والمتتبعين في الجزائر يصرخون بصوت واحد: - هرمنا من أجل بلوغ مرحلة تاريخية تعيش فيها الأسرة الرياضية الجزائرية أفراحا مستمرة، ومودة متواصلة في وئام وانسجام، وتنشط في أجواء احترافية نقية يعبّر فيها أبناؤنا عن طاقاتهم وقدراتهم في صناعة الانتصار والتخلص من الانكسار والانشقاق الحاصل اليوم بين الفاعلين في الحركة الرياضية الوطنية على كل المستويات، مما انعكس سلبا على الأداء العام وعلى النتائج، وانعكس سلبا على الذهنيات والمعنويات وحتى على الآفاق المستقبلية. - هرمنا من أجل رؤية اتحادياتنا تنعم بالاستقرار والانسجام والتناغم مع السلطات العمومية، وتلتزم باحترام القوانين والاهتمام بالتكوين وتوفير شروط التألق لأبنائنا، ومن أجل رؤية اتحاديات يسيّرها محترفون، وتربطها علاقات وطيدة مع رياضييها ومؤطريها ومع اتحادات إقليمية ودولية تستفيد من تجاربها وخبراتها. - هرمنا من أجل رؤية نوادينا مستقرة في أدائها ونتائجها، ومستقرة إداريا وفنيا وماديا، ومن أجل رؤيتها وهي تدخل عالم الاحتراف باحتراف لا بانحراف، فلا تكون كما هي اليوم تتراجع وتزول أو تراوح مكانها، ويهدد بعض لاعبيها بالإضراب في شباب بلوزداد ومولودية الجزائر ووفاق سطيف لأنهم لم يحصلوا على مستحقاتهم، رغم أن الاحتراف جاء لتحسين المحيط الاقتصادي والمالي والرياضي للنوادي واللاعبين. - هرمنا من أجل رؤية خلفاء مرسلي وبولمرقة ومراح وبحاري وعلالو وإيلاس وسواكري وغيرهم من النجوم الذين صنعتهم الجزائر في أصعب أوقاتها، ولكنها للأسف لم تقدر على صناعتهم في أحسن ظروفها.. هرمنا من أجل رؤية رياضيينا وهم يتدربون ويحضرون في مراكز وطنية تحت إشراف خيرة المدربين والإداريين، وفي أحسن الظروف الممكنة. - هرمنا من أجل التخلص من مسيّرين فاشلين وأنانيين ما زالوا مسلطين على رقاب اتحادياتنا ونوادينا ومؤسساتنا الرياضية، ويتجرّأون على الكذب على الناس وتقديم الوعود التي تتكرر في كل مناسبة دون تجسيد. - هرمنا من أجل رؤية جيل جديد من المؤطرين والمدربين المؤهلين في كل الرياضات؛ ينسوننا تلك الوجوه والأسماء الفاشلة التي سئمنا منها.. وهرمنا من رؤية رياضيين ولاعبين سابقين يشحتون المناصب عوض النزول إلى الميدان ومواصلة تكوينهم وإعادة تأهيلهم. - هرمنا من أجل رؤية الجزائر وهي تبني ملعبا جديدا في حجم مركب محمد بوضياف الذي لم ننجز مثله على مدار أربعين عاما.. وهرمنا من سماع أسطوانة إصلاح ملعب 5 جويلية في كل مرة، وتغيير أرضية ميدانه التي لا تتحمل تهاطل الأمطار، ولا يمكن إجراء الحصص التدريبية عليها، فتبقى مغلقة في وجوه الرياضيين لأشهر وسنوات بحجة إصلاحها وإعادة تهيئتها مقابل ملايير الدينارات. - هرمنا من أجل الوصول بصحافتنا الرياضية إلى نظيرتها العالمية، ومستوى تطلعات أبنائنا الذين تعبوا من الكذب والإثارة والافتراء، وتعبوا من الكلام الفارغ في وسائل إعلام تتحدث عن كل شيء إلا عن الرياضة والمهارة والفنيات وقواعد اللعبة؛ بحجة أن الجمهور يريد ذلك. - أما عن منتخبنا فقد هرمنا قبل أن يتقبل المحيط استقدام مدرب أجنبي عرف أين يكمن الخلل وماذا يجب فعله وكيف السبيل لإعادة الروح إلى عناصرنا، ومدرب من حجم الصربي حاليلوزيتش الذي كان بإمكانه أن يكون مفيدا أكثر لو جاء مباشرة بعد المونديال، ولكننا كنا منشغلين بالنقاش البيزنطي حول المدرب الأجنبي أو المحلي، ومن يصلح لتدريب المنتخب، وتغلبت علينا مشاعرنا وعواطفنا وأنانيتنا أكثر من أي شيء آخر.. هرمنا وهرمنا وهرمنا.. من أجل جزائر أفضل وأجمل وأحسن مما كانت عليه، ومما هي عليه اليوم في المجال الرياضي، خاصة أن قدراتنا البشرية والمادية كبيرة، وأن قدرات شبابنا في التألق وطموحاته أكبر من طموحات من أوكلت لهم مهمة السهر على خدمته.. وخوفنا أن يموت هذا الجيل وهو على قيد الحياة، ولا نسمع صرخته المدوية: هرمنااااا..