لأن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، فإنه يوجد من الناس من يتفنن في استعمالها لإطالة أوقات الراحة، يحدث هذا في أحسن الشركات. أحيانا، الأفضل وضع حدود لظاهرة ''التفياس'' والهروب من العمل أو بعبارة أخرى تضييع ساعات فترة العمل في لا شيء. وليس هناك أسهل من ترك الوقت يمضي من خلال الحديث مع الزملاء في العمل أو التجوال والإبحار في مواقع الأنترنت، بدل العمل. إن مكان العمل يتوفر على وسائل كثيرة للاسترخاء أثناء أوقات العمل، وتكون مرحبا بها في المؤسسة أو الهيئة التشغيلية، وتمنح العامل تحفيزا على العمل بعد ذلك. أولى المعضلات التي يقف صاحب العمل عاجزا أمامها، معضلة تضييع المستخدمين ساعات كاملة في مكاتبهم في تبادل الرسائل الإلكترونية وإجراء أبحاث خاصة بواسطة محركات البحث التي توفرها الشبكة العنكبوتية للمبحرين فوق أمواجها. وما يلاحظ هنا أن تصفح البريد الإلكتروني الشخصي وإن كان يدخل ضمن حرية الأفراد سواء أكانوا موظفين أو عاطلين عن العمل، فإنه أصبح يشكل مصدرا لصداع كثير من أرباب المؤسسات، ولاسيما أنهم يسجلون تسمر موظفيهم أمام أجهزتهم ولمدة زمنية طويلة يستقبلون ويبعثون الرسائل وأحيانا مشاهدة كليبات الأغاني والأفلام. ومن أجل منع هذه الممارسات، يلجأ أرباب العمل إلى منع الدخول إلى مواقع التراسل الإلكتروني من مقرات العمل باللجوء إلى تقنية حجبها. الفايسبوك والتويتر وأخواتهما ومع التطور التكنولوجي وما جادت به أدمغة الغرب، فقد وجد هواة قتل الوقت في التجول عبر مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك والتويتر، فرصة لهم للتخلص من أعباء الوظيفة. ويتفنن هؤلاء في ذلك بإيجاد الوقت للتعليق على الصور المنشورة وتحديثات ''البروفايل'' وإرسال وقراءة رسائل التويتر ''تويتس'' والاهتمام بترتيب عناوين الاتصال. بعض قاتلي الوقت، لا يجدون حرجا في قضاء يوم كامل وهم يدمنون على هذا السلوك ونسيان مهامهم الوظيفية. دردشات وشات على ''النت'' وبحدة أقل، تجد فئة من الموظفين في الدردشة فيما بينهم لتوطيد العلاقة خلال ساعات فترة العمل.. إذ يتبادل هؤلاء الحديث حول مكان قضاء عطلة نهاية الأسبوع، والتعليق على الأفلام ومقابلات كرة القدم، وأخبار الجرائد وأغرب القصص الإخبارية المنشورة.. من دون الأخذ بعين الاعتبار تحديد سقف زمني لذلك، أو استكمال الدردشة بحرية أكبر خارج مقرات العمل. وإن كانت بعض المؤسسات العمومية تلجأ إلى توقيف خدمة الأنترنت عن مصالحها الإدارية، فإن غيرها في القطاع الخاص تواصل حصد شوك التكنولوجيا من خلال اضطرارها في كثير من الأحيان إلى قطع الخدمة ثم التراجع، بحجة أنها وسيلة عمل لا مفر منها في عالم اليوم. وفيما تبرر المؤسسات وجود هذه الخدمة بالرغبة في تقليص تكاليف الاتصالات، باعتماد نظام التراسل اللحظي أو ''الشات'' بين مستخدميها، بحثا عن سرعة الإنجاز ولاسيما في حال توزعهم وتمركزهم في مناطق متفرقة من الوطن، يؤدي الاسترسال في ''الشات'' لمدة أطول إلى قتل الوقت وبالتالي تأخير إنجاز المهام والتكليفات. استراحات التدخين ومن السلوكيات التي تسيطر على عالم الشغل اليوم، سواء في المؤسسات الصغيرة أو الكبيرة، مسألة الخروج للتدخين، كونه ممنوعا داخل أماكن العمل، سواء في المؤسسات العمومية أو الخاصة. ويؤثر هذا السلوك مباشرة على الأداء، لما له من تضييع غير منطقي للوقت، خاصة إذا ما تكررت وتعددت الخرجات تحت ذريعة عدم إزعاج الزملاء في قاعات ومكاتب العمل. قضايا شخصية من مظاهر قتل الوقت في أوساط الموظفين والعاملين، ما يلاحظ يوميا وفي عدة مستويات في شكل خروج للتبضع أو التسوق من المحلات والمراكز التجارية والأسواق الشعبية، خاصة إذا ما كانت هذه الأخيرة قريبة من مقر العمل وتوفر وسيلة الوصول إليها بسهولة. ومن السلوكيات المنتشرة، الخروج من أجل شراء دواء من صيدلية أو التوجه إلى مكتب بريد أو وكالة بنكية لسحب أموال. وإن كانت بعض المؤسسات تسمح بهذا النوع من ''الحريات''، إلا أن أخرى تمنع ذلك مخافة أن يصبح السلوك عادة مقدسة، ما قد يؤدي إلى تعطيل العمل. ساعات للغداء والعودة المبكرة للمنزل ولا يمكن استثناء من هذه السلوكيات الاجتماعية المتنامية في مجتمعنا، سلوك قضاء وقت أطول في تناول وجبة الغداء اليومية. فبالإضافة إلى أنها تسمح للعامل بسد جوعه، تحولت استراحة الغداء إلى مناسبة للتخلص من المكتب لبعض الوقت.. وهو ما يعني إرجاء إتمام المهام الموكلة إلى ما بعد الظهيرة التي تعني مزيدا من الضغط في ساعات العمل الفعلية. كما لا يتورع بعض المستخدمين أو العاملين بصورة عامة، عن التحجج بضرورة مغادرة مكان العمل والرجوع مبكرا إلى المنزل، وهو ما قد يتسبب في تعطيل مصالح المؤسسة والمتعاملين معها أو المواطنين في علاقاتهم مع الإدارات العمومية، مثل البلديات ومصالح الوثائق الإدارية ذات العلاقة المباشرة بحركة أو معيشة السكان. ومن المبررات التي يستعملها من هم ضمن هذه الفئة، الشعور بالتعب أو الإعياء الشديد، وعدم القدرة على التركيز في العمل الموكل إليهم. إذ تعتبر هذه التبريرات الأكثر شيوعا في مجتمعنا، وأصبحت كثيرة الحدوث. اجتماعات ومكالمات هاتفية لا تتوقف وقد يخطئ الكثير من أرباب العمل أن كثرة الاجتماعات هي دليل على العمل، إذ أصبحنا نشاهد في كثير من المؤسسات والإدارات تعدد الاجتماعات لمناقشة تفاصيل دقيقة على حساب قضايا أهم لا تستدعي معالجتها أكثر من نصف ساعة من الزمن. ومن الناس من يتفنن في إضاعة الوقت بإجراء عدد كبير من المكالمات الهاتفية.. حتى تصبح مملة للزملاء في العمل، وقد لا يكون لها أي أثر إيجابي على عمل صاحبها. ومن ذلك تعدد الاتصال بالمنزل والإخطار بالتأخر عن العودة إليه بسبب ازدحام وضغط العمل أو الاتصال بالطبيب من أجل تأجيل موعد زيارة ما أو التنقل ''هاتفيا'' من بنك إلى آخر للاستفسار عن شروط الحصول على قرض أو الترحال بين وكالات شركات التأمينات للحصول على أفضل عرض للتأمين على السيارة! مؤسسات قطعت الأنترنت للتصدي لإهدار الوقت من أجل قطع الطريق أمام المبالغين في استعمال خدمة الأنترنت في فترات العمل لجأت مؤسسات إلى توقيفها، ومن تلك المؤسسات شركة ''سوناطراك'' التي لجأت إدارتها العامة إلى قطع الأنترنت بعدما عاينت استغراق موظفيها وإطاراتها في الإبحار عبر الشبكة العنكبوتية لأوقات طويلة. ومن المؤسسات العمومية أيضا، شركة ''سونلغاز''، إذ تقول موظفة بمصالح المؤسسة ببلدية جسر قسنطينة إن الإدارة قطعت الأنترنت عليهم بسبب إدمان العاملين عليها وانصرافهم عن أداء عملهم اليومي. وتضيف الموظفة التي طلبت عدم ذكر اسمها، بأن مواقع ''الفايسبوك'' وخدمات الدردشة بواسطة ''المسينجر'' و''السكايب''، تعتبر من أكثر المواقع زيارة من طرف زملائها في المصلحة، فيما تنصرف العاملات إلى الإبحار في مواقع الطبخ وآخر صيحات الموضة والماكياج والصحة النسائية وتربية الأطفال بالنسبة للمتزوجات أو المقبلات على الولادة. ولا يقتصر المنع على المؤسسات العمومية فقط، بل امتد إلى القطاع الخاص وقطاعي الأعمال والبنوك والمال. وتقول السيدة نورة، وهي موظفة بشركة تأمينات خاصة في الجزائر العاصمة: ''لجأت إدارة الشركة إلى قطع الأنترنت عن أجهزة كمبيوتر المصالح الإدارية بسبب ضعف الأداء، وملاحظة العاملين متسمرين أمام شاشات الكمبيوتر لساعات طويلة، ما انجر عنه تأخر في أداء الوظائف والمهام''. وأضافت نفس المتحدثة أن مواقع الدردشة والشات هي الأكثر زيارة من طرف زملائها وزميلاتها. كما يؤكد عاملون بشركات خاصة وأجنبية كبيرة بأن إداراتهم منعت عنهم خدمة الأنترنت باستثناء الإطارات العليا، لنفس المبرر، وهو وقف ''إهدار الوقت خلال فترات العمل''. ويشار إلى أن الإدارات العمومية والهيئات الحكومية، لا توفر الخدمة بتاتا لموظفيها. الأخصائي في علم الاجتماع بن ضيف الله ''الفراغ وانعدام الشعور بالمسؤولية سبب هروب الموظفين للأنترنت'' يفسر الأخصائي في علم الاجتماع، الأستاذ عصام بن ضيف الله، ظاهرة قتل الوقت بواسطة التكنولوجيا في مناصب العمل، بالحالة المنطقية للفراغ الذي يعاني منه العاملون. ويرى بن ضيف الله بأن الحل معقود بيد أصحاب المؤسسات، الذين عليهم اتخاذ التدابير الإدارية اللازمة لوضع حد لمثل هذه الممارسات، وهو دليل واضح على انعدام الشعور بالمسؤولية المهنية والتقاعس عن القيام بالمهام المسندة للموظفين. ويضيف أن هناك العديد من المؤسسات لجأت إلى ضبط استعمالات الأنترنت في مواقع العمل، لتأثيرها السلبي على الأداء خلال ساعات العمل اليومية، معتبرا ذلك نتيجة حتمية لمثل هذه الوضعيات. من جانب آخر، يقول بن ضيف الله إن معاينات ميدانية سمحت له بالتوصل إلى مخاطر اجتماعية وسلبيات على تركيبة المخيال لدى المدمنين على الأنترنت في مناصب العمل وغيرها، مشيرا إلى أن أخطرها الإصابة بمرض انفصام الشخصية، من خلال تقمص هوية مزيفة أو صورية يسوقها المتجولون عبر شبكة الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لأنفسهم. ومن الآثار التي سجلتها المعاينة، يقول بن ضيف الله، ظهور علامات الميوعة والنفاق الاجتماعي وتعدد الهويات لدى الكثير من مدمني الأنترنت، وهي أمراض نفسية واجتماعية لا يمكن ملامسة خطورتها إلا على المدى المتوسط والبعيد.