من المعلوم أنّ ساعة الغروب تحمل للإنسان ألواناً من الحزن والأسى. فالغروب يأتي بالظلام الّذي يجلب السكون فيُشعر الإنسان بالخوف،بخلاف الفجر الّذي يعقبه الضياء والحركة والأمل، كما أنّه في ساعة الغروب تنتشر الشّياطين. قال صلّى الله عليه وسلّم: ''إِذا اسْتَجْنَحَ الليل -أو كان جُنحُ اللّيل- فَكُفُّوا صبيانكم، فإِنَّ الشّياطين تنتشر حينئذ'' رواه البخاري، وفي رواية لمسلم: ''فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْبَعِثُ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ''، ومع انتشارها تكثر الوساوس الّتي تُضعف الإنسان. كما يغتنم السّحرة جُنح اللّيل وهذه الفترة لينفثوا ويعقدوا العُقد، وكذلك تفعل نهاية العام بكثير من النّاس، حيث تُشعرهم نهاية العام بنهاية الدنيا، ونهايةِ الآمال. إنّ كثيراً من الأفاكين والدجالين مَن تكون نهاية العام فرصة لهم ليبثوا اليأس والقنوط، وينشروا إفكهم وكذبهم تخويفاً للنّاس وترويعاً، فكثيراً ما سمعنا مَن يُنادي قبل نهاية العام بنهاية الحياة مع حلول هذه المناسبة، وهناك من النّاس مَن يُصدقهم فيُصاب بالإحباط، فيا ترى ما أسباب ذلك التّصديق وذلك الافتراء؟ وبما أنّ ختام السنة يعني عند كثير من النّاس الحساب والتّقييم، من أجل اكتشاف الأخطاء وتدارك الهفوات، ثمّ رسم الصواب لتتم النجاة، فكذلك ينبغي أن يفعل المجتمع المسلم في كلّ مرحلة، ويُراجع عند كلّ مناسبة حتّى يُحافظ على سير الأمّة، ويحميها من الأمراض المهلكة، لكنّنا إذا ذهبنا ننظر في حالنا، ونقيّم أوضاعنا، نرى أن في الأمّة أمراضاً وانحرافات عديدة ومنكرات كثيرة، وعُقدا لا تُعَد ولا تُحصى تجب معالجتها والسعي في إزالتها، غير أن هناك انحرافاً ومنكراً كبيراً هو رأسُ العُقد وهو أولى بالمعالجة والإزالة، إذ أنّ هذا المنكر هو رأس المنكرات، وهو لا يزيد الفرد والمجتمع إلاّ وهْناً وضعفاً، هذا المنكر والانحراف يتمثل في اليأس والقنوط من كلّ خير. يرى الكثير من النّاس أن الاتجاه يسير نحو الفساد والانسداد، وأنّ المستقبل لا يبعث على التّفاؤل، والأيّام القادمة لا تحمل إلاّ غُصَصاً، وهذا المنكر يُسيطر على قلوب بعضٍ من النّاس، وهو إن لم يظهر على وجوههم فقد ظهر على ألسنتهم. وحتّى ننبذ عنهم هذا المنكر نُذكّر بأسبابه لعلّنا نتوقّاها حتّى نُعرض عن هذا الداء القاتل، لأنّ هذا الداء صار دواء لبعضنا، فكما أنّ بعض المصابين بالأمراض المستعصية يعالَجون بتيئيسهم من الشّفاء، ثم يُسعَفون بترويضهم على عقلية التعايش مع مرضهم، كذلك ينطلق بعض النّاس في ترويض الأمّة بعقلانية التّعايش مع أمراض المجتمع والفساد المنتشر فيه، فيُيئسون النّاس ويُقنطوهم من أيّ إصلاح، ويجعلون اليأس أحد أدويتَها. وهذا لا شك أنّه مرض أعظم، فاليأس داء مُهلك، يجب إزالته ومعالجة المصابين به، لكن معالجته لا تتم إلاّ بمعرفة الأسباب وقطعها. فمن أهم أسباب هذا الداء قسوة القلب وضعف الصلة بالله؛ ومن صفات هؤلاء أنّهم يلهثون وراء الشّهوات، ويتفاخرون بتحصيل اللذات، تجدهم يتمتّعون بالمحرّمات من كلّ الأنواع، ولا يهتمون لصلاتهم وصلتهم بالله، فإذا أصابتهم الشّدّة والبلاء والخوف، أصابهم اليأس والإحباط والقنوط. ومن أسبابه حبُّ الدنيا؛ وحبّها يطمسُ البصيرة، ويُهلكُ صاحبَه بالظن الخاسر، فهو يرى أنّه مادام صاحبَ دنيا فالحق معه، ولأنّه ملك الدنيا بالباطل ييأس من عودة الدِّين وانتشار فضائله وأخلاقه؛ والحق عكس ما ظنّ. قال الله تعالى عن الّذين أحبوا الدنيا وانشغلوا بها حتّى جعلتهم يظنُّون بالله ظنًّا خاسراً: {سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرَّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً × بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً}. *إمام مسجد الرحمن براقي