انْظُر رحمك الله كيف يصوِّر القرآن الكريم في أواخر سورة الفتح واقع صحابة رسول الله الكرام بنفس الصورة البليغة الروحية والمادية الّتي صوّرهم بها في التوراة والإنجيل.. قال تعالى: ''محمّدٌ رسولُ اللهِ والّذِين معه أشِدّاءُ على الكفار رُحمَاء بينهم تراهُم رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِن اللهِ وَرِضواناً سِيمَاهُم فِي وُجوههم مِن أَثَر السُّجُود ذلِك مَثَلُهُم فِي التوراة''. هذه صفات روحية خُلُقية لهؤلاء الكرام، وصفات مادية تأتي من بعد في قوله تعالى: ''وَمَثَلُهم في الإنجيل كَزَرْعٍ أخْرَج شَطْأه فآزَرَه فاسْتَغْلَظ فاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يَعْجَبُ الزُّرَاعَ لِيَغِيظَ بِهم الكُفَّار وَعَد اللهُ الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات مِنْهُم مَغْفِرَة وأجْراً عَظِيماً'' .29 تبدأ الآية الكريمة بإثبات صفة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، صفته الّتي أنكرها سهيل بن عمرو في صُلح الحديبية، ثمّ تاب الله عليه من بعد وأسلم وحسن إسلامه، الصفة الّتي أنكرها كذلك من ورائه من المشركين.. فهو محمّد الأمين ذو الخُلُق الكريم والطهر العميم قبل أن يكون رسولاً للعالمين، وهذه شهادة المشركين من قريش أنفسهم، يعرفونه ويعرفون نسبه لأنّهم من أنفسهم ومن أنفَسهم قبيلة وعرقاً.. يصفه القرآن الكريم بقوله: ''محمّدٌ رسولُ اللهِ''.. ثمّ ترتسم تلك الصورة الوضيئة بذلك الأسلوب البديع. والمؤمنون لهم حالات شتى، ولكن اللقطات القرآنية تتناول الحالات الثابتة في حياتهم، ونقط الارتكاز الأصلية في هذه الحياة، وتبرزها وتصوغ منها الخطوط العريضة في الصور الوضيئة.. وإرادة التكريم الإلهي واضحة في اختيار هذه اللقطات، وتثبيت الملامح والسِّمات الّتي تصوّرها، التكريم الإلهي لهذه الجماعة الّتي سبقت لها من ربّها الحُسنى.. فهم رضوان الله عليهم ''أشِدَّاءُ على الكفَّار''، وفيهم آباؤهم وإخوانهم وقرابتهم وصحابتهم، ولكنّهم قطعوا هذه الوشائج جميعاً الّتي لا تسمن ولا تغني من جوع..