ترك العالم الكبير ألبارت أينشتاين مقولات مأثورة، من بينها قوله إذا لم يوافق الواقعُ النظريةَ، غيِّر الواقع، وحينما ندرك أن الجزائري البسيط لا يزال يعاني الأمرين من إدارة بيروقراطية مركزية تجاوزها الزمن، ومن مشكلات الروتين العقيم والاستهتار بمصالح الناس، ندرك مدى العقم الذي أصاب تسيير البلاد على كافة المستويات، بل إن الإدارات المسيرة ظلمت البيروقراطية التي وضع أسسها عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، إذ حينما نحصي أكثر من 005 ملف تعويض لدى شركات التأمين معلقة، منها أكثر من النصف لم تم تسويتها منذ أكثر من سنتين، وحينما نعلم علم اليقين بأن الطوابير لدى مختلف الإدارات تظل غير متناهية لسبب أو لآخر، وحينما نشهد بأن المستثمر في الجزائر مطالب باجتياز 41 مرحلة ومحطة بعشرات الوثائق، سندرك بأن مصدر الداء معلوم لدى الكثيرين، ولكنه متجاهل لدى صناع القرار، لأن هذا الداء من صنيعة هذا النظام تحديدا ويتماشى مع طبيعته وتكوينه، لأن السلطة تنمو وتتدعم بفضل هذه الممارسات التي تكرس، حسبهم، نمط الدولة المركزية القوية التي تتحكم فيها مجموعات قليلة من المصالح والزمر، التي يبقى بيدها الحل والعقد. صورة الطوابير اللامتناهية والأعمال المعطلة وإرهاق البسطاء من الناس بإجراءات لا تنتهي، دخلت يوميات الجزائريين منذ أمد بعيد، إلى حد أن استخراج أي وثيقة أو تسوية أي قضية يتطلب زمنا مضاعفا، ويفسح المجال لأنواع من الثغرات داخل المنظومة ككل، كما أنها تساهم في قلب سلم القيم داخل المجتمعات. فإذا أردت أن تجتاز المراحل بسلام، فما عليك إلا أن تختار مسارين لا ثالث لهما، الدفع أي الرشوة، أو الواسطة أي اللجوء إلى أصحاب الحظوة والنفوذ، وإلا فإنك ستظل خارج الإطار إلى أجل غير مسمى. لقد تم إرساء مفاهيم البيروقراطية في ألمانيا لتفادي تداخل المصالح الشخصية مع مصالح المؤسسات أو المصالح العامة للشعب، ولضمان توفير الخدمة، لكننا نحن قلبنا القاعدة ليطمح المسؤول لأن يكون الناس في خدمته لا أن يكون هو في خدمة الناس. فالبيروقراطية بمفهومها المثالي الذي يعني قوة المكتب اعتمدت أسسا متعددة بنيت عليها، منها الكفاءة والدراية، وهو ما يتطابق مع مبدأ راسخ عبر الأزمنة: ''إن خير من استأجرت القوي الأمين''، فمن يشغل أي منصب يجب أن يكون كفأ من الناحية الوظيفية وليس لعلاقاته أو لمعارفه. ثم تأتي معرفة مساحة المسؤوليات ونطاقها وطبيعتها وتحديد هرم تنظيمي واضح المعالم، مصداقا لمقولة مشهورة ''لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم، ولا سراة إذا جهالهم سادوا''. ومادامت الفكرة السائدة لدى الكثير ممن يتبوأون درجات المسؤولية أن المنصب يعني المزايا والمكاسب والنفوذ، لا رعاية المصالح وتحمل المسؤولية، فإن الجزائري سيعيش الويلات تلو الويلات، لأننا سينطبق علينا القول الفصل ''نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عين سوانا، ونهجو ذا الزمانِ بِغير ذنبٍ ولو نطق الزَمان لنا هجانا''. [email protected]