ظلموا الرعية واستباحوا كيدها وعدوا عليها، وهم أجراؤه!! استغدت هذا البيت الشعري الذي ورد في "لزوميات" أبي العلاء المعري قبل ألف عام، لأنني وجدته الأصوب والأمثل في الحكم على ما يجري في البر المصري من أحداث. وقلت في نفسي إن هذه الأحداث توشك أن تغير مجرى التاريخ المصري الحديث بعد أن دخل القوم في أخذ ورد حول الوقائع التي حدثت في بحر السنة الجارية بدءا من التجمعات في ساحات القاهر وشوارعها إلى حين سقوط الرئيس حسني مبارك ودخوله السجن ومحاكمته بالصورة الهزلية التي شهدها الناس على المباشر. لا شك في أن المتفرج العربي تابع التصريحات والشهادات التي أدلى بها بعض المتسرعين الذين راحوا يعيدون صياغة تاريخ تلك الأيام التي قلبت تاريخ مصر إلى حد ما وكانت شبيهة بحريق القاهرة الذي حدث في عام 1952، أي قبيل انفجار ثورة 23 يوليو، شخصا، تعجبت متهم، والسبب هو أنني ما زلت مؤمنا بأنه لم يتغير شيئ في مصر، والرأس الذي سقط لا يعني شيئا طالما أن الرؤوس الحقيقية ما زالت في مكانها وعلى أكتاف أصحابها، وأعني بهم العساكر المصريين الذين يسيطرون على كل شيء ويتحكمون في أنفاس الشعب المصري بالرغم من أن ساحات القاهرة وغيرها من المدن الأخرى تخضبت بدماء الشهداء والجرحى. المعري يلخص لنا الوضع في مصر وفي كل مكان آخر من هذا العالم العربي ومن العالم أجمع حين يقول إن الحكام على جري عادتهم في كل زمان ومكان يظلمون رعاياهم مع أنهم أجراء لدى تلك الرعايا. وقلت في نفسي أيضا إن مصر مقدمة على تغير خطير إن هي تمكنت في هذه المرة من إبعاد العساكر عن الحكم وإعادتهم إلى ثكناتهم لكي يتفرغوا للدور الأساسي، ألا وهو حماية الوطن في المقام الأول والأخير. أو ليست الديموقراطية قطعة خبز ينبغي أن يتقاسمها الجميع بالتساوي؟ لم المراوحة في المكان الواحد حتى إن سالت الدماء عبثا وسقط الأبرياء؟ لكأني بأبي العلاء المعري ينزل علينا ضيفا هذه الأيام، وينبه الحكام المتشبثين بكراسيهم إلى ضرورة العودة إلى أنفسهم والتبصر في قضايا أوطانهم والتمعن في حركة العالم حتى يحققوا إنسانيتهم أولا ويضطلعوا بالدور المطلوب منهم في هذه الحياة. ولم بكن لي بد أيضا من أن أستشهد بما قاله الأفوه الأزدي قبل أربعة عشر قرنا من الزمان: لا يفلح القوم فوضى لا سراة لهم ولا سراة لهم إذا جهالهم سادوا تبقى الأمور بأهل الرأي ما صلحت وإن تولت، فإنما بالجهل تنقاد.