من يقصد زاوية ''الشيخ سلامي'' ببلدية بنهار ويدخل إليها، يجد كلّ عبارات التّرحيب وكلّ مشاهد الكرم التلقائي الّذي لا تكلف فيه، وإلى جانبه تواضع شيخ الزاوية ''سي محمد السلامي''. وأينما التفتت، إلاّ شعرت بعراقة المكان، رغم التحديثات والتجديدات، وحين يحدثونك عن ماضي هذه الزاوية الممتد على مدار 142 عام مِن تلقين كتاب الله والمحافظة على شعائر الدِّين ومقوِّمات الجزائر، تتألّم لمَا فعله الحاضر بها من قِلَّة الإعانات والمساعدات ونزوح الطلبة ناحية المدن. تأسَّسَت زاوية ''سي محمد السلامي'' سنة 1870 ونسبت في تسميتها إلى مؤسّسها الأول الشيخ محمد السلامي المولود سنة 1840 بالأغواط، من عائلة مشهورة بمقاومتها للمحتل الفرنسي، تعرَّف بعائلة أولاد النية. تلقَّى تعليمه الأول على يد والده، ثمّ انتقل إلى زاوية الهامل ببوسعادة ليتعلَّم على يد الشيخ محمد بن أبي القاسم، حيث درس الفقه والتفسير وعلوم النحو والبلاغة. ولمّا أخَذ المشيخة، أمرَه شيخه بتأسيس الزاوية بهذا المكان الّذي يبعد ببضع كيلومترات عن بلدية بنهار، بمحاذاة الطريق الّذي يربط بنهار ببلدية البيرين، وهو مالكي المذهب رحماني الطريقة. بنى المسجد والإقامة للطلبة الّذين كانوا يتوافدون على الزاوية من تراب ولايات الجلفة والمدية والبليدة والجزائر، وكانت في كلّ عام تخرّج العشرات من حفظة القرآن، مثلما كانت قبلة لعابري السّبيل ومن تقَطّعَت بهم الطرقات، وكذا الفقراء والمساكين، كما أنّه محكمة للفصل بين المتخاصمين ولقاء صُلْح بين العروش، وكان جميع الشيوخ الّذين تعاقبوا عليها يقفون ضدّ السحر والشعوذة وأصحاب البدع. وتداول على مشيختها منذ مؤسِّسها الأول سنة 1927 أبناؤه الواحد تلو الآخر، إلى أن وصلت مسؤوليتها إلى أحد أحفاده، وهو الشيخ سي محمد السلامي في شهر مارس .2004 غير أن ذلك التاريخ العريق وتلك الخدمات الكبيرة، في الجوانب الثقافية والدينية والروحية والاجتماعية، بدأت تتعثَّر بداية من العشرية السوداء الّتي مَرَّت بها الجزائر، حيث أن النُّزوح، كما قال لنا شيخها سي محمد السلامي، من طرف الأسر ناحية المدن لتدريس أبنائهم في المدارس، جعل الزاوية تكاد تهجر، إلاّ مِن زُوارها من الّذين درسوا فيها أو ممّن تقَطّعت بهم السُّبل. ورغم ذلك، يسعى الشيخ سي محمد سلامي لإعادة بعث نشاطها منذ سنوات، وذلك بتوسعة المسجد الّذي أصبح يضيق بالمُصلِّين وتوسعة الإقامة والمدرسة القرآنية، حتّى أنه قَدَّم لوزير الشؤون الدينية مقترحاته وما يتطلّبُه من مساعدات، إلاّ أنّه لم يَجِد إلاّ وعوداً ما يزال ينتظرها إلى اليوم، منه ومن سلطات الولاية ككل، باعتبار أن هذه الزاوية جزء هام من ذاكرة الجلفة والولايات المجاورة، وأكبر ما يخشاه أن يضيع تاريخ عريق عمره، اليوم، يقارب قرناً ونصف.