من أسرار هذا الحادث العظيم (نذر عبد المطلب بذبح عبد الله والد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم) أنّه عليه الصّلاة والسّلام يُباهي به شاكراً نِعَمَ اللهِ عليه قائلاً: ''أنا ابن الذَّبيحيْن'' إشارة إلى أنه من نسل إسماعيل عليه السّلام الّذي أمَرَ الله تعالى والده الكريم نبيّ الله ورسوله الخليل إبراهيم أن يذبحه ويتخلَّص من كلّ حبّ إلاّ حبّ مولاه وإشارة أيضاً إلى والده عبد الله الّذي نذر أبوه أن يذبحه قُرباناً لله تعالى شاكراً لأنعمه سبحانه إيّاه، حيث تحقّقت رغبته في بنيه وعلى الخصوص في حفر بئر زمزم الّذي أمر به خدمة لزوار بيت الله الحرام.. وانظر رحمك الله كيف يتكرَّم سبحانه وتعالى على مَن يتقرَّب إليه ابتغاء مرضاته بالحبّ والوفاء والإخلاص في التّضحية، فقد فَدَى جلّ عُلاه سيّدنا إسماعيل بكبش من الجنّة وقال فيه ''وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ''. وفدى سيّدنا عبد الله بمائة من الإبل نُحرت للضُّعفاء والمساكين.. والّتي أصبحت بعد ذلك ديّة تدفع لأهل القتيل خطأ ثمّ أقَرّها الإسلام كما أقّرَّ قداسة الأشهر الحُرُم، الّتي كان النّاس يعظّمونها في الجاهلية. وكانت هذه أوّل مرّة يفتدى بها عربي بمثل هذا العدد الكبير من الإبل.. ولذا شاعت القصة بين العرب جميعاً. وفرح عبد المطلب بنجاة ابنه عبد الله فرحه لحماية البيت من بطش أبرهة اللّعين، فزوَّجَه من آمِنَة عليها السّلام بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وأبوها وهب يومئذ سيِّد بني زهرة نسباً وشرفاً. وابنته آمِنَة هي من أفْضَل نِساء قريش موضعاً ونسباً. وقضى الله تعالى بحكمته الأزلية أن يُفرِّق بين المحبوبين عبد الله وزوجه، فَلَم تَدُم مُتعتهما طويلاً حيث أدركته المنية بيثرب (المدينةالمنورة) عند أخواله من بني النّجار. وذلك حين قفل عائداً في عير قريش قد خرجت بتجارتها إلى الشام. وذلك حين أرسله أبوه عبد المطلب إلى المدينة يمتار لهم تمراً فمَات بها وقيل بل خرَج تاجراً إلى الشام وترك زوجته آمنة حاملاً بالمصطفى صلّى الله عليه وسلّم..