حين أقْبَل عائداً في عير قريش، أَلَمَّ به بعض الوجع، فنزل بالمدينة ليمرض عند أخواله. وشاء الله أن توفي بها بعد شهر من مرضه، ودفن في دار النابغة الجعدي، وله إذ ذاك خمس وعشرون سنة، العمر المبارك الّذي تزَوَّج فيه ابنه سيِّد الخلق من أمّنا سيّدتنا خديجة بنت خويلد، رضوان الله عليها. وكانت وفاة عبد الله بن عبد المطلب، على أرجح الأقوال، قبل ميلاد رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وذهب البعض إلى أنّه توفي بعد مولده عليه الصّلاة والسّلام بشهرين. ولمّا بلغ نعيه مكة، رثته آمنة زوجه بأروع المراثي، حيث قالت: عفَا جانب البطحاء من ابن هاشم وجاور لحدا خارجاً في الغماغم دعته المنايا دعوة فأجابها وما تركت في النّاس مثل ابن هاشم عشية راحوا يحملون سريره تعاوره أصحابه في التزاحم فإن تك غالته المنايا وريبها فقد كان معطاء كثير التراحم وما ترك عبد الله إلاّ خمسة جِمال وقطعة غنم وجارية حبشية اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنته صلّى الله عليه وسلّم. دحض شبهات عن نبوة خيرُ المخلوقات، سيّدنا محمّد عليه أزكى السّلام وأفضل الصّلوات. لم تثبت نبوة نبي في شريعة من الشّرائع بالبرهان العقلي القاطع، كما تثبت نبوة سيّدنا محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلّى الله عليه وسلّم. فقد ثبت أنّه نشأ عليه السّلام أمياً بين قوم أميين، لم يقرأ كتاباً ولا قال شعراً، ولا ارتَجل خطبة، ولا ترأس قبيلة، ولا انتحل كهانة، ولا عرف شيئاً من شرائع الأمم وأديانها. ولو ثَبَت عنه شيء من ذلك، لنقله أتباعه الّذين عَنوا برواية كلّ ما علموه وما سمعوه في شأنه قبل النّبوة وبعدها، أو لأذاعه أعداؤه ليكون ذريعة في إنكار نبوته. بقي هكذا شأنه حتّى بلغ سنّ الأربعين، ومن المشاهد المسلم به أن أيّ شخص تظهر عليه بوادر النُّبوغ في علم ما، تظهر آثاره في عنفوان شبابه. وسيّدنا محمّد، صلّى الله عليه وسلّم، في هذه الفترة لم يظهر عليه شيء من هذا القبيل، بل جُل ما اتصف به هو الأمانة والعزوف عن مخالطة قومه في المجون واللّهو وعبادة الأصنام.