حينما غزت الولاياتالمتحدة العراق، قيل لنا إنها مهمة نبيلة لتخليص بلد عربي من الطاغية ولإرساء النموذج الديمقراطي المثالي في المشرق، ولكننا بعد سنوات اكتشفنا مذابح الفلوجة وممارسات بدائية في سجن أبو غريب، ثم سرعان ما تباكت فرنسا على مصير الليبيين المهددين بالانقراض على أيدي تيمورلانك وهولاكو الجديد، ولكننا لم ندرك كيف نفك شفرة الشركات التي هرولت إلى السوق الليبي بمجرد أن توقفت قنابل حلف الأطلسي بتمويل عربي على نفث سمومها فوق سماء طرابلس. ونفس المنطق ينطبق على الحرب في الصومال التي رفعت شعار استعادة الأمل، لتختزل في مطاردة شخص واحد هو فرح عيديد. إنها ازدواجية المعايير التي سرت عبر الأزمنة منذ أن قرر المهاجرون الجدد في أمريكا إبادة الهنود الحمر وتسارع الإسبان في تشكيل محاكم التفتيش لمطاردة اليهود والمسلمين.. منطق يبيح للبعض ما لا يسمح به للآخر، فسلم القيم عند الغرب يسمح لألكسيس دوتوكفيل أن يبرر المجازر في الجزائر، بعد أن صاغ مؤلفه ''عن الديمقراطية في أمريكا''، ظلت مقولته مدوية حينما أشار ''لقد سمعت في فرنسا رجالا أحترمهم ولكنني لا أتفق معهم يعتبرون بأن إحراق المحاصيل وإفراغ المخازن والاستيلاء على الرجال العزل واختطاف النساء والأطفال أمر مشين، فهذه بالنسبة إلي ضرورات نقوم بها مضطرين والتي يتعين على أي شعب يريد محاربة العرب القيام بها''. ذات المقاربة وجدناها لدى أنجلس حينما اعتبر غزو الجزائر حدثا سعيدا لأنه يساهم في انتصار الأمم المتحضرة على الشعوب المتخلفة، إنه نفس التصور المزدوج الذي بلوره يوما الكاتب روبير لويس ستيفانسون في كتابه ''دكتور جيكل ومستر هايد''، فالغرب، كما يؤكده بول فاليري، يبني منظومته القيمية وفقا لمبادئ حصرها داخل هذه المنظومة، وما عداها فهو إما منافس أو خصم يتعين إخضاعه بأي طريقة من الطرق، فالغرب بني وفقا للحضارة الإغريقية اليونانية، واختزل فضاءه الأخلاقي والديني على أساس الديانتين اليهودية والمسيحية، لذا يتباكى الغرب على المحرقة اليهودية، ولكننا لا نسمع يوما نحيبا على مجازر الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والحروب الاستعمارية التي تبقى في نطاق قراءة التاريخ وسيرورته. لذلك، ليس غريبا أن نجد الصمت المطبق في الوقت الراهن حول مآسي الشعب الليبي، والتي طالت كل الفئات دون استثناء، ولم تراع فيها أي قواعد أخلاقية ولا دينية، ولكنها تمر بصمت، على شاكلة ما نلحظه حول حالة الصحفية الليبية هالة المصراتي التي لم تكلف منظمات حقوق الإنسان ومراسلون بلا حقوق نفسها عناء توجيه ولا رسالة شجب واستنكار لوضع غير طبيعي لصحفية وامرأة معتقلة في ظروف غير إنسانية، ذنبها أنها قامت بعملها وأنها عربية، إذ لو كان الأمر يتعلق بأمريكية أو بريطانية أو فرنسية لقامت القيامة ولحشدت الأساطيل، كما شهدنا ذلك في حالة الأمريكية ماري كولفين في سوريا والفرنسيين هرفي غسكيير وستيفان تابوني في أفغانستان.ئ؟ [email protected]