لقد بدأ الصراع بين المسلمين واليهود في أيّام رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، وقد فتح ملف الصراع منذ ولادة رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم. فمنذ أن وُلد المصطفى، عليه الصّلاة والسّلام، وعلم اليهود بذلك، أبدَوا عداءهم له ولدينه ولأتباعه، وصاروا يرسمون المكائد والفتن والدسائس ضدّ هذا الحق وأهله. ونعود إلى كتب السِّيرة لنستخرج منها شواهد وشهود على هذه الحقيقة، حيث روى الإمام ابن سعد عن سيّدتنا عائشة أمّ المؤمنين، رضي الله عنها، بسند حسّنه الإمام الحافظ ابن حجر في فتح الباري، أنّها قالت: ''كان يهودي قد سكن مكّة. فلمّا كانت اللّيلة الّتي وُلد فيها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، قال: يا معشر قريش، هل وُلِد فيكم اللّيلة مولوداً؟ قالوا: لا نعلم. قال: انظروا، فإنّه وُلد في هذه اللّيلة نبيُّ هذه الأمّة أحمد الآخر، بين كتفيه علامة. فانصرفوا فسألوا فقيل لهم: وُلِد لعبد الله بن عبد المطلب غلام فسمَّاه محمّداً. فالتقوا بعد من يومهم، فأتوا اليهودي في منزله فقالوا: علِمنا أنّه وُلِد فينا مولود. قال: أبعد خبري أم قبله؟ قالوا: بل قبله. قال: فأذْهبوا بِنَا إليه. فخرجوا معه حتّى دخلوا على أُمِّه، فأخرجته إليهم، فَرَأى الشّامة في ظهره، فغشي على اليهودي ثمّ أفاق فقالوا: وَيْلَك ما لك؟ قال: ذهبت النُّبوة من بني إسرائيل، وخَرَج الكتاب من بين أيديهم، وهذا مكتوب بقتلهم وببز أحبارهم، فازت العرب بالنُّبوة''. وروى ابن سعد في طبقاته عن بعض الأنصار: ''إنّ يهود بني قريضة كانوا يدرسون ذِكر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في كتبهم، ويعلّمونَه الولدان بصفته واسمه وهجرته إليهم. فلمّا ظهر رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حسدوا وبغوا وقالوا: ليس إلينا وصدق الله القائل: {وَلمَّا جاءهم كتاب مِن عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُم وكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلى الَّذِين كفروا فَلَمَّا جاءَهُم مَا عَرَفُوا كَفَروا بِه فَلَعْنَةُ اللهِ عَلى الْكَافِرين} البقرة .89 وقال جلّ وعلا أيضاً: {وَدَّ كثيرٌ مِنْ أهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِن عِند أنْفُسِهم مِن بَعْد مَا تَبَيَّنَ لهُم الحقُّ} البقرة .109