دعا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فرنسا إلى ''قراءة موضوعية للتاريخ بعيدا عن حروب الذاكرة والرهانات الظرفية''. وهي رسالة ضمنية للرئيس الفرنسي الجديد، تحمل رغبة في النأي بالعلاقات الثنائية عن التوتر والاستفزاز الذي ساد طيلة سنوات حكم الرئيس نيكولا ساركوزي. على غير العادة، لم يكن خطاب بوتفليقة، الذي ألقاه أمس بسطيف، بمناسبة ذكرى أحداث 8 ماي 1945، هجوميا ضد النظام الاستعماري، بل كان مطبوعا بالتهدئة، يفهم منها إرادة في فتح صفحة جديدة مع الفرنسيين على خلفية انتخاب الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيسا جديدا. وقال بوتفليقة، في الخطاب، إن القراءة الموضوعية للتاريخ التي يقترحها ''كفيلة وحدها بمساعدة الجانبين على تجاوز رواسب الماضي العسير، نحو مستقبل يسير تسوده الثقة والتفاهم والاحترام المتبادل والشراكة المفيدة''. ويمكن تفسير كلام الرئيس على أنه رجع صدى لرسالة حملها هولاند عندما زار الجزائر في ديسمبر الماضي، بدعوة من أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم. فقد صرح حينها بمقر الأفالان بأن الاشتراكيين سيقيمون علاقات عادية مع الجزائريين خالية من التوتر، إذا وصلوا إلى الحكم. ومن الواضح أن هولاند كان يعبر عن عدم رضاه من نظرة اليمين بقيادة ساركوزي للعلاقة مع الجزائر، خاصة في شقها التاريخي أو ما يعرف ب''صراع الذاكرة''. وقال بوتفليقة في خطابه إن الجزائر ''عملت منذ خمسين عاما على إقامة علاقات صداقة وتعاون مثمر مع مختلف دول العالم، وفي مقدمتها الدولة الفرنسية، رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الجزائري بأجياله المتعاقبة من أجل حريته وكرامته''. ومعروف أن مساعي تمت في عهد الرئيس جاك شيراك بغرض التوقيع على معاهدة صداقة، وأعلن عن فشلها في 2006 بسبب ثقل رواسب التاريخ على العلاقات الثنائية. وتناول رئيس الجمهورية، في الجزء الأكبر من خطابه، الانتخابات التشريعية، وتميّز باختيار عبارات مضخمة تندرج في سياق حرص الرئيس الشديد على إقناع الجزائريين بالتوجه بكثافة إلى صناديق الاقتراع غدا. ومن بين ما استعمله كوسيلة إقناع: ''يحيط بالبلاد مخاطر معقدة'' و''صيانة البلاد من مصير لا تحمد عقباه''، و''أهمية قصوى للانتخابات من حيث التوقيت الحساس ومن حيث ما سيترتب عنها من انعكاسات معتبرة'' و''محطة فاصلة'' و''الواجب الانتخابي أمانة عظمى من بين أمانات المواطنة الواعية الراشدة''. وحمل خطاب بوتفليقة، من جديد، تخويفا من التدخل الأجنبي في حال كانت المشاركة ضعيفة. وقال بالتحديد: ''إن شباب الجزائر سيتصدى لدعاة الفتنة والفرقة وحسابات التدخل الأجنبي''. غير أن حدة إصرار بوتفليقة على أن يصوت الجزائريون بكثرة، بلغت أقصاها عندما شبّه الإقبال على الصندوق بخروج الآلاف يوم 8 ماي 1945 لمطالبة فرنسا بالوفاء بوعودها بخصوص منح الجزائريين الاستقلال، عندما قهر الحلفاء النازية. فقد ذكر الرئيس: ''كما خرج الشعب الجزائري في مثل هذا اليوم، قبل 67 عاما، موحدا معبئا هاتفا بصوته العالي معبرا عن موقفه المشهود، مدافعا بشجاعة وشهامة عن قضيته الوطنية، أدعو الجميع إلى الخروج يوم الاقتراع خروجا حاشدا لتخوضوا مرحلة جديدة من مسيرة التنمية والإصلاحات والتطور الديمقراطي في وطنكم الجزائر''. ويشبه هذا الكلام، في قوته، ما ذكره الرئيس في خطاب سابق بأن انتخابات 10 ماي 2012 لا تختلف عن ثورة أول نوفمبر !. واعترف بوتفليقة بأن الجيل الذي حكم الجزائر بعد الاستقلال، وهو واحد منهم، ''ارتكب خطأ لأنه لم يدرّس التاريخ للشباب''. وقال: ''لقد فوجئت أثناء جنازة الرئيس أحمد بن بلة، لرؤية شباب لا يعرفون أحمد بن بلة''. ودعا إلى معرفة عبان رمضان وكريم بلقاسم وسي الحواس وعميروش، الذين وصفهم ب''الوجوه البارزة في الثورة، الذين نتحدث عنهم قليلا في برامج التعليم''. وانتقد ''تحريف مسارهم وتاريخهم''. وأضاف: ''الشباب يعرفون بن بلعيد فقط لأن فيلما أنجز حوله''. وانتقد بوتفليقة المرشحين للانتخابات، قائلا إنهم ''لابد أن يقتنعوا بأن هذه المرحلة من حياة بلادنا لا تسوّغ البتة التصرفات الشائنة وغير المرضية في تعاطي المنافسة الانتخابية''. وتحدث عن ''تصرفات دونية تمس بمصداقية مجالسنا المنتخبة وتحط من القيمة المعنوية والأخلاقية لخدمة المواطن لأمته في المجال السياسي''.