في الوقت الذي كانت تترقب فيه الطبقة السياسية، كما جرت العادة، عقب نتائج التشريعيات، أن يتجه الوزير الأول أحمد أويحيى إلى قصر المرادية لتقديم استقالة حكومته، لجأ رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى ''إنهاء'' مهام 6 وزراء ترشحوا وفازوا في التشريعيات، وهو ما يفهم منه رفع الحرج عن الوزير الأول وأعضاء حكومته من جهة، ومن جهة ثانية تثبيت وزراء آخرين الذين أصبح لهم رِجل في أكثر من وزارة. لقد كان بإمكان ''النواب الوزراء'' أن يقدموا استقالتهم ويرفعوا بذلك الحرج عن رئيس الجمهورية وعلى الوزير الأول، لكن التقليد والعرف الجزائري لا يعترف بمثل هذه ''الخرجات''، على الرغم من أنهم يدركون جيدا أن القلم مرفوع عنهم بموجب المادة 105 من الدستور التي تنص على أن مهمة النائب وعضو مجلس الأمة وطنية، قابلة للتجديد، ولا يمكن الجمع بينها وبين مهام أو وظائف أخرى. كما يدرك هؤلاء الوزراء تمام الإدراك أنهم لا يستطيعون فعل ذلك بحكم أن ''مزاج'' الرئيس لا يقبل أن يقدموا استقالتهم، بل أن يقيلهم هو، وأن ذلك قد لا يعيد لهم حقيبتهم الوزارية. غير أن الاحتكام إلى مواد الدستور، لاسيما في بابه الثاني المتعلق بتنظيم السلطات، سواء في فصله الأول الذي ينظم السلطة التنفيذية أو الثاني الذي ينظم السلطة التشريعية، لا توجد مادة صريحة تنص على ''إنهاء'' مهام وزراء فرديا أو جماعيا دون الوزير الأول. وعليه فإن استقالة الوزير الأول مقرونة دوما بأعضاء حكومته، إلا في حالة وحيدة، وهي عندما يترشح لرئاسة الجمهورية، وعندئذ لا تستقيل الحكومة بل تبقى تمارس وظيفتها تحت رئاسة وزير أول يعيّنه رئيس الدولة بشرط أن يكون من بين أعضاء الحكومة وليس من خارجها. إن لجوء رئيس الجمهورية لمثل هذا الإجراء ''إنهاء مهام وزراء''، يعزز أكثر من أي وقت مضى المقولة، أن عبد العزيز بوتفليقة يخالف ويحاول مرارا عدم الوقوع في القراءات التي تسبق الأحداث، وفي السياق نفسه يدفع بنفسه بعيدا عن الالتزامات الحزبية التي قد تعيقه في أي لحظة من اللحظات أو في يوم من الأيام، خصوصا أنه أدرك أن خطابه الارتجالي (خروجه عن النص) في سطيف ما زالت ارتداداته مستمرة وقد لا تهدأ. إن البيان الرئاسي ليلة الخميس الفارط الذي تلى بيان المجلس الدستوري والذي أنهى بموجبه مهام 6 وزراء نواب، يعطي الانطباع أن الرئيس ربما لن يلجأ إلى حكومة جديدة بمعناها التقليدي، أي تقديم استقالتها وإعادة تعيين أخرى، قبل موعد انقضاء آجال الاحتفالات بخمسينية الاستقلال التي يشرف عليها الوزير الأول شخصيا وبدرجة أقل وزراء المجاهدين والثقافة والشباب، على أقل تقدير، والموعد الثاني على أكثر تقدير الانتخابات البلدية والولائية التي ستجري في شهر أكتوبر التي سيشرف عليها دون منازع وزير الداخلية شخصيا وبدرجة أقل وزير الاتصال. وضمن هذا السياق يعد وزراء حركة حمس الذين لم يترشحوا للانتخابات التشريعية هم المستفيدون الأولون من بيان رئاسة الجمهورية، ما أوقع الحركة في حرج هي في غنى عنه، كما سيضع النواب الوزراء (تو، حراوبية، لوح، رحماني، بن حمادي وعمار غول) في حرج كبير لأن مكوثهم تحت قبة البرلمان ربما سيطول أكثر مما كانوا يتصورون في حساباتهم.