مبارك يحتضر... والمجلس العسكري يبحث له عن مكان لدفنه فيه، ويضمن هذا المكان أن لا ينبش قبره من طرف ضحاياه.. وأحسن مكان آمن له هو أن يدفن في تل أبيب التي رفض زيارتها، أو يلقى في اليم كما كان حال بن لادن.! مافعله مبارك لمصر والعرب في حياته سيدفع ثمنه في مماته.. ومن هنا نفهم لماذا يتضرع المسلم التائب لربه بالدعاء ''اللهم أحسن خاتمتي''! مبارك هو الذي استخدم مصر والجامعة العربية في إعطاء الشرعية لعودة الأساطيل الأجنبية إلى الخليج العربي، ومكّن أمراء وملوك العار العربي في الخليج من الحصول على الشرعية والمشروعية عند شعوبهم بعودة الأساطيل إلى المنطقة وإقامة القواعد التي نراها اليوم في الخليج تحرس الأمراء أكثر مما تحرس أمن المنطقة. في 1969 أعلنت بريطانيا أنها ستنسحب عسكريا من الإمارات العربية وقطر وكانت بريطانيا تريد تسليم أمن هذه المناطق لشاه إيراه... ولكن ناصر العظيم في مصر العروبة آنذاك نسّقت مع الجزائر المنتصرة، جزائر بومدين ومع سوريا والعراق، للضغط على بريطانيا وعلى إيران في أن تستقل الإمارات العربية وقطر وأن لا يكون لإيران أي وصاية أمنية عليها... وأن تكون المنطقة جزء من العرب والأمة العربية... والتزم الشاه حدوده بالفعل لأن مصر ناصر المسنودة بعمق الشام والعراق وجبال الأوراس جعلت الشاه يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أي حماقة تتعلق بأمن المناطق الخليجية التي انسحبت منها بريطانيا... لم يكن للسعودية آنذاك أي وجود يذكر من الناحية التأثيرية السياسية والعسكرية والأمنية في المنطقة. مبارك هو الذي ابتدع الخلاف بين الكويت والعراق، لأن حرب العراق مع إيران جعلت صدام دركيا جديدا في منطقة الخليج رأى فيه مبارك ببله أنه يمس بمصالح مصر... ولهذا نسّق مع الأمريكان لعودة الأساطيل إلى المنطقة بعد أن سقط صنم الشاه، وكان مبارك يأمل في أن ينصّب هو سيد المنطقة...لكن أمراء الخليج الذين استقووا بالحامي الأمريكي الجديد أصبحوا ينظرون لمبارك على أنه أقل منهم شأنا.. بل وتطور الأمر إلى أن تجندوا خلف أمريكا بالمال والإعلام للإطاحة به، وهو ما كان بعد أن جنّدهم هو خلف أمريكا للإطاحة بصدام وإنهاء دور العراق... ولم يكن مبارك المسكين يتصوّر بأن نهايته على يد أمراء الخليج ستكون أسوأ من حالة صدام الذي رغم أنه أعدم في بلده، إلا أن الملايين من العرب تعاطفت معه على عكس مبارك الذي لعنته الملايين وهو يبهدل في محاكمة شنيعة، المشنقة الصدّامية أشرف عنها.. وصدام له قبر يزار ويترحّم عليه فيه... لكن مبارك سيدفن في قبر مجهول مخافة أن ينبش من طرف ضحايا! إنه العدل في الدنيا قبل الآخرة. أتذكر أن بومدين في 1970 أعطى توجّهات لرجال الإعلام الجزائريين بدعم جهود مصر في ضمان أمن الخليج بعد انسحاب بريطانيا وشجّب أي تدخّل إيراني في هذه المنطقة، لكن مبارك بمحدودية نظرته حفر قبره في حفر الباطن وحفر معه قبرا للدور المصري في قيادة العرب ومنهم أمراء الخليج الذين أعجبتهم حماية الكبار فسلبوا الصغار.! إنه الخطأ القاتل لمبارك.! [email protected]