الصّيام الذي فرضه الله على عباده إنّما هو أيّام معيّنات بالعدد، وهي أيّام شهر رمضان المعظم، ولم يفرض الله علينا الدهر كلّه، تخفيفاً ورحمة بعباده. ومع هذه الرّحمة في الصّيام، فقد شرع للمريض الذي يضرّه الصّوم والمسافر الذي يشقّ عليه أن يفطرا، ويقضيا أيّاماً بقدر الأيّام الّتي أفطرا فيها تكملة للعدّة، وذلك من التيسير على العباد والرّحمة بهم. ثمّ أخبر تعالى أنّ هذا الشّهر الذي فرض عليهم صيامه هو شهر رمضان، شهر ابتداء نزول القرآن، الكتاب المعظم الذي أكرم الله به الأمّة المحمدية، فجعله دستوراً لهم، ونظاماً يتمسّكون به في حياتهم، فيه النُّور والهدى والضياء، وهو سبيل السّعادة لمَن أراد أن يسلُك طريقها. وقد أكّد الباري صيام هذا الشّهر، لأنّه تنزل الرّحمة الإلهية على العباد، وأنّه تعالى لا يُريد بعباده إلاّ اليسر والسّهولة. ولذلك، فقد أباح للمريض والمسافر الإفطار في أيّام رمضان. قال تعالى بعد الآية السّالفة: {أيّاماً معدودات فمَنْ كان مِنْكم مريضاً أو على سفر فعِدّة مِن أيّام أُخَر وعلى الّذين يُطيقونَه فِدْيَة طعام مساكين × فمَن تطوَّع خيراً فهو خيرٌ له وأنْ تصوموا خيرٌ لكُم إن كنتم تعلمون × شهرُ رمضانَ الذي أُنْزِلَ فيه القرآن هُدًى للنّاس وبَيِّنَات مِن الهُدَى والفُرقان فمَنْ شَهِد مِنْكُم الشَّهر فليصُمْه ومَن كان مريضاً أوْ على سفر فعِدّة مِن أيّام أُخَر يُرِيدُ اللهُ بكم اليُسْرَ ولا يُرِيد بكُم العُسْر ولِتُكْمِلُوا العِدَّة ولِتُكَبِّرُوا اللهَ على ما هَدَاكُم ولعلَّكُم تشكُرون} البقرة 184 .185