اصطفى الله عزّ وجلّ أمّة الحبيب على هذه الأمم وكرّمها بهذه الطاعات وبهذه المواسم العظيمة من مواسم العبادات، فأمّة النّبيّ هي أفضل أمّة بجدارة واقتدار بشهادة العزيز الغفّار كما في قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آل عمران: 110. خلق الله الشهور والأيام واصطفى شهر رمضان على سائر الشهور والأزمان فكرّمه تكريمًا عظيمًا فأنزل فيه القرآن، قال الرّحيم الرّحمن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى للنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان، فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَر، يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة: .185 شهر رمضان ضيف عزيز جليل كريم يهلّ علينا بأنفاسه الخاشعة الزّاكية وبرحماته الندية، والعاقل الذي يقدر كلّ شيء قدره هو الذي يستعد لضيفه إن كان كبيرًا كريمًا قبل نزول ضيفه عليه وأنا لا أعلم ضيفًا هو أكرم على الله سبحانه وتعالى من هذا الضيف الكريم، إنّه شهر القرآن، إنّه شهر الصّيام، إنّه شهر الإحسان، إنّه شهر العتق من النيران، اللّهمّ اجعلنا من عتقائك فيه من النّار، هذا الشهر الذي كان فيه الحبيب صلّى الله عليه وسلّم يحتفي به حفاوة بالغة. ففي الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنّة''، وفي لفظ مسلم: ''فتحت أبواب الرّحمة''، وينادي منّا: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشرّ أقصر، ولله عتقاء من النّار وذلك في كل ليلة حتّى ينقضي رمضان''. وفي رواية الترمذي بسند صحيح أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إذا كان أوّل ليلة من رمضان، صفّدت الشياطين ومردة الجن''. فمن المعلوم أنّ الذنوب تقل في رمضان لكنّها لا تنقطع، فكيف ذلك وقد ذكرت الآن أنّ الشّياطين تصفّد وكذلك المردة، والجواب فى قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} يوسف: .53 وفي الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: قال الله تعالى في الحديث القدسي الجليل: ''كل عمل ابن آدم له إلاّ الصّوم فإنّه لي وأنا أجزي به والصّيام جُنّة، أي وقاية، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخط، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنّي صائم، فليقل إنّي صائم، والذي نفس محمّد بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصّائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه''. وفي الصّحيحين من حديث أبي هريرة أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ''مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا'' أي إيمانًا بالله واحتسابًا بالأجر من الله، ''غُفر له ما تقدّم من ذنبه''. يا لها والله من بشرى، وفي الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ''مَن قام، صلّى القيام، صلّى التّراويح، رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم له من ذنبه''. وفي الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ''مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه''. هل تريد المزيد لتقف على فضل هذا الشهر المجيد الكريم؟ مغبون وربّ الكعبة مَن قرأ أو استمع إلى هذه الطائفة النّبويّة الكريمة ثمّ قصّر ثمّ ضيّع الأوقات فيما لا فائدة فيه، بل ربّما فيما يسخط الله عليه، مغبون مَن ضيّع هذا الموسم الكريم من مواسم الطّاعة. مَن هذا؟ عبد أدرك رمضان ثمّ انسلخ رمضان قبل أن يغفر له رغم أنفه ذل وهان وعرض نفسه للهلاك والخسران أن يقبل عليه شهر الرّحمات وأن ينسلخ الشّهر كلّه وهو غارق في الشّهوات، غارق في المعاصي والملذات، عاكف على المباريات والأفلام والمسلسلات، مضيّع للوقت على المقاهي والشّوارع والنّواصي والطرقات، قال سبحانه: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ × وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} الزلزلة: 7.8