أراد مستشرق كندي، يُدعى ''غاري ميلر'' أن يقرأ القرآن بنيّة العثور على أخطاء تساعده في دعوته للنصرانية، وكذلك قصد دعم المواقف والتأويلات التي دأب على نشرها بين أتباعه والمعجبين بأفكاره وتصوّراته وآرائه الدينية. قبل إقباله على قراءة القرآن للمرّة الأولى.. كان يتصوّر أن يجد في القرآن كلامًا عن الصحراء وحياة البادية. لأنّه، في زعمه، مجرد كتاب يحمل الصفة الدينية، ظهرَ في بيئة صحراوية بسيطة منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا خلت!! كما توقّع أن يجد فيه تركيزًا على الأحداث العصيبة التي مرّت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كوفاة زوجته خديجة، وكذلك وفاة بناته وأولاده وعمّه وأقرب أصفيائه... لكنّه لم يجد شيئًا من ذلك.. بل شُده وذُهل عندما وجد في القرآن سورة كاملة اسمها (سورة مريم) فيها تشريف لمريم البتول وإشادة بها وبابنها السيد المسيح عليه السّلام، بأسلوب ليس له نظير لا في الكتب النصرانية ولا غيرها!! وبالمقابل لم يجد سورة باسم عائشة أو فاطمة أو خديجة.. الخ. ولاحظ ميلر أنّ عيسى عليه السّلام ذُكر في القرآن بالاسم خمسا وعشرين مرّة.. بينما لم يذكر النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم سوى خمس مرّات.. فزادت حيرته وتعمّق ذهوله وانشداههُ!!.. وراح يقرأ القرآن بتمعّن أكثر لعلّه يجد بعض المآخذ أو الثغرات التي تساعده في دعم أطروحاته الدينية النصرانية. لكنّه صُعق وهو يقرأ قول الله تعالى {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} النساء: .82 يقول غاري ميلر معلّقًا على هذه الآية: ''لا يوجد مؤلف في العالم يمتلك الجُرأة أن يؤلّف كتابًا ثمّ يقول للنّاس هذا الكتاب خال من الأخطاء تمامًا!! لكن القرآن على العكس من ذلك تمامًا يقول لك لا توجد أخطاء، بل ويتحداك أيضًا أن تجد أخطاءً. وأنت لا تجد الأخطاء فعلاً مهما حاولت ذلك بكلّ قواك العقلية''. ومن الآيات التي توقف إزائها الدكتور ميلر قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} الأنبياء: 30، يقول ميلر ''إنّ هذه الآية هي بالضبط موضوع البحث العلمي الذي حصل على جائزة نوبل سنة 1973م، وكان عن نظرية الانفجار الكبير. فالآية تنص على أنّ الكون الموجود بما فيه من سماوات وكواكب، هو نتيجة انفجار ضخم حدث ذات لحظة. فالرّتق هو الشيء المتماسك أمّا الفتق فهو الشيء المتفكّك. بمعنى أنّ حقائق العلم الحديث سبق إليها القرآن، قبل وجود الوسائل العلمية التي تتأكّد بواسطتها الحقيقة العلمية. وهو ما يشير بوضوح منطقي إلى المصدرية الإلهية لهذا الكتاب الإلهي الخالد. ويقول الدكتور ميلر: الآن نأتي إلى الشيء المذهل في حياة النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وتحديدًا إلى الادعاء بأنّ الشياطين هي التي تُعينه. فالله تعالى يقول: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ × وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ × إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ} الشعراء: 210.212 ويقول: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} النحل: .98 أرأيتم هل هذه طريقة الشّيطان في التأليف؟ هل الشّيطان يؤلّف كتابًا'' ثمّ يقول: قبل أن تقرأ هذا الكتاب يجب عليك أن تتعوّذ منّي!!! لا شكّ في أنّ هذه الآيات الإعجازية في هذا الكتاب المعجز، تتضمّن ردًا مفحمًا على كلّ مَن قال بهذه الشبهة المتهاوية. *أستاذ بجامعة تبسة