عاد بنا الحاج الميلود مالكي في سهرة رمضانية حول صينية الشاي، إلى شهر رمضان للسنوات الماضية الذي كان يحظى عندهم بمكانة متميزة، رغم الفقر والحرمان والمتاعب التي كان يسبّبها لهم طيلة أيامه التي كانت مزيجا من الغبن والمتعة. وكانت لياليه تصنعها السهرات العائلية، حيث يلتف الجميع حول الجدة زينب، رحمها الله، للاستمتاع بحكايتها إلى حين موعد وقت السحور الذي لا يخلو من السفة وحليب الماعز أو الأبقار. أما عن مائدة الإفطار، يقول الحاج ميلود: ''فكانت بسيطة بساطة أهلها، سيدها خبز المطلوع وطبق الحريرة المصنوعة من ''التشيشة'' المستخلصة من الشعير، وحبات تمر ''الحميرة'' الممزوج بالسمن الطبيعي واليازير، وهو ما تعرفه الذاكرة الشعبية ب''التركي'' الذي ماتزال الكثير من العائلات تحضره إلى اليوم:. ويواصل محدثنا ''كنا نصوم وقت ''الصمايم''، أي شدة الحر، نستيقظ باكرا ونتوجه إلى الحقول مسلحين بالمناجل لحصد المنتوج تحت حرارة شمس لا تطاق، ولا نعود إلا قبيل الأذان بلحظات، وأحيانا نعود قبل هذا الموعد، فنجد النسوة قد حضرن قافلة الحيوانات، وأغلبها من الحمير، فنقطع مسافات لا تقل عن عشرة كيلومترات لجلب الماء، ولا طعم لماء الشرب إلا من ''الفربة المقطرنة'' ذات النكهة التي تنافس في برودتها مثلجات آخر صيحات العصر''. أما اليوم والحمد لله، فقد تغير كل شيء، يقول الحاج الميلود، الذي حذر من التبذير والجشع وجعل رمضان للأكل والشرب، وشتان بين رمضان الأمس واليوم.