ألقى، أمس، آلاف الجزائريين النظرة الأخيرة على جثمان الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بقصر الشعب بالعاصمة، بعضهم قدم من ولايات بعيدة. وتشكل صف طويل للمواطنين وموظفي الدولة في ساحة قصر الشعب للترحم وقراءة الفاتحة، مباشرة بعد انتهاء المراسم الرسمية التي حضرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكبار مسؤولي الدولة والجيش والأحزاب السياسية وممثلي السلك الدبلوماسي ورجالات الثقافة. وصل جثمان الرئيس الراحل إلى قصر الشعب في حدود الثانية بعد الظهر، وحمل إلى القاعة على أكتاف ضباط في الجيش، وسجي في وسط القاعة الرئيسية. وبعد لحظات تقدم الرئيس بوتفليقة أمام الجثمان وقرأ الفاتحة ثم انصرف إلى القاعة المجاورة للتوقيع على سجل التعازي. وتمكن الصحفيون من متابعة دخول الرئيس، عكس جنائز سابقة، آخرها جنازة الرئيس الأسبق بن بلة. وبدا الرئيس بوتفليقة في صحة جيدة، وبعد مغادرته، دخلت عائلة الرئيس الراحل لتلقي التعازي، ثم دخل عبد المالك فنايزية، عبد القادر بن صالح، الطيب بلعيز، فايد صالح، عبد المالك سلال والعربي ولد خليفة وكريم جودي ودحو ولد قابلية ومراد مدلسي. وتقدم رجل ثقة الشاذلي، مولود حمروش، بعد مرور الرئيس بوتفليقة بحوالي عشرين دقيقة، حيث عزا عائلة الرئيس الراحل، ثم توجه إلى سجل التعازي حيث خطّ كلمات أثارت فضول بعض مسؤولي الرئاسة. ثم جاء دور أعضاء الحكومة وقيادة الأفالان يتقدمهم أمين عام الحزب، عبد العزيز بلخادم، وكبار ضباط الجيش الوطني الشعبي والموظفون السامون في أجهزة الأمن ومجاهدون وممثلو الأسرة الثورية. وفضل أحمد طالب الإبراهيمي، الذي شغل منصب وزير خارجية بين 81 إلى 88، التزام الصمت، وانزوى وحده قبل انطلاق المراسم بعيدا عن الشخصيات، وتجنب أعضاء الحكومة عند وصولهم، لكن وزير الصحة عبد العزيز زياري اقترب منه وجالسه إلى غاية وصول بعض رموز الحزب الواحد، حيث اكتملت الرفقة. وتمت المراسم الرسمية بسرعة، قبل السماح لبعض رجالات الدولة والثورة السابقين بإلقاء النظرة الأخيرة على الجثمان، وكذا رؤساء الأحزاب. وفيما كان الرسميون يهمون بالمغادرة، وصل وزير الخارجية الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الأممي إلى سوريا، ولم يدم بقاؤه إلى دقائق معدود، وغادر قصر الشعب دون أن يدلي بأي تصريح. ولحق بعد ذلك الوزير الأول السابق، أحمد أويحيى، ووجد سلفه في قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، الطاهر بن بعيبش، رئيس حزب الفجر الجديد، حيث تبادلا التحية، وبدا الأمين العام للأرندي في غاية التأثر عند مغادرته، وبدت آثار الدموع على وجهه في لحظة فارقة في حياة الرجل الحديدي الذي جرد من منصبه في التعديل الحكومي الأخير. وحضر لاحقا رضا مالك وعلي هارون، وهما من الرموز التي أعطت الغطاء السياسي لتنحية الشاذلي بن جديد. وحضر الجنازة أمين عام منظمة المجاهدين، ومنظمة أبناء الشهداء، وأمين عام المركزية النقابية، ورؤساء أحزاب، منهم نعيمة صالحي، رئيسة حزب العدل والبناء، التي رافقها زوجها، وتنقلت أيضا لويزة حنون زعيمة حزب العمال. وفيما كان آخر المسؤولين الحكوميين يغادرون قصر الشعب، بدأت دفعات من المواطنين تتوافد على المكان، البعض منهم حضر في ساعة مبكرة من الصباح؛ وتشكل طابور عريض لإلقاء النظرة الأخيرة على ما يعرف بأب الديمقراطية في الجزائر. وقال السيد سحنون الذي القدم من ولاية تيارت: ''لقد كان رجلا طيبا ويحق له أن ينال من الجزائريين التقدير''، وأضاف ملتح كان برفقته: ''نطلب له الرحمة، كان مجاهدا ورئيسا خيرا''. وتقام جنازة الرئيس الراحل ظهر اليوم بمقبرة العالية، بحضور موفدي دول عربية وإسلامية وخصوصا من دول الجوار. مولود حمروش ينتمي الرئيس الراحل إلى جيل استثنائي، إنه رجل صقلته التجارب والحروب، وهذا أعطاه قدرة على القيادة والتصرف، كان قائدا ممتازا ضحى بكل ما يملك، ورغم ما قدمه والمناصب التي تقلدها، بقي رجلا متواضعا، له علاقات اجتماعية واسعة، حتى بعد خروجه من الحكم، لقد أثرت أحداث أكتوبر فيه كثيرا، أطلق بعدها إصلاحات جديدة ومؤسسات جديدة. أحمد أويحيى كان من قادة الثورة وساهم في بناء الدولة بعد الاستقلال، رغم الأزمة، شهدت الجزائر في عهده منجزات كثيرة في كل القطاعات، وليس إحلال التعددية فقط، أقول إنه كان رجلا عظيما وهو من عظماء الجزائر. عبد العزيز بلخادم حرص على عدم التدخل في صلاحيات المؤسسات الأخرى، وأشهد أنني كنت مقررا للجنة التحقيق البرلمانية في قضية الاتفاق الغازي الجزائري - الأمريكي المعروف ب''ألباسو''، وجهزنا تقريرا لم يكن يخدم الحكومة، وعندما احتكمنا إليه، لم يغير التقرير. عبد القادر حجار رجل لطيف وحميم، من القادة الصارمين في اتخاذ القرارات، غير حقود، له موقف صادق من القضية الفلسطينية، ورفض مساعي إسرائيلية لتطبيع العلاقات، حيث كنت سفيرا لدى ليبيا ومالطا، وقام رئيس الوزراء في مالطا بنقل عرض من الوزير الأول الإسرائيلي حينذاك (الرئيس حاليا) شيمون بيريز، لفتح قنوات اتصال، لكن الرئيس الراحل أبلغه بأنه لن تكون هناك علاقات مع إسرائيل لا في السر ولا في العلن. الشريف رحماني إنه رجل له بعد نظر، استبق الأمور، وستتذكر الجزائر لوقت طويل إنجازاته، لقد أعطى الإشارة لمرحلة جديدة من تاريخ الجزائر، حيث أطلق إصلاحات تتأقلم مع متطلبات المرحلة سياسيا واقتصاديا. علي هارون ساهم في تجنيب الجزائر سيناريو مماثلا لما تعيشه دول أخرى في المنطقة حاليا، واجه أزمة 1992، وتحمل مسؤولياته، وساعد في تجنب غرق البلاد في الفوضى، واليوم لما نقارن وضع الجزائر بما تعيشه دول أخرى نقول الحمد لله. مصطفى لهبيري إنه جندي في جيش التحرير، ترقى في سلم المسؤوليات حتى تولى رئاسة الجمهورية، أطلق إصلاحات شبيهة بتلك التي أطلقها الرئيس السوفييتي الأسبق ميخائيل غورباتشوف (البيريسترويكا) وفتح المجال أمام التعددية الديمقراطية.