قبل نحو أسبوع من المهلة التي أعطتها الأممالمتحدة لدول غرب إفريقيا لتقديم استراتيجية تدخل في مالي، تكون الجزائر قد أعطت الضوء الأخضر لعملية عسكرية على حدودها الجنوبية، من أجل إبعاد الجماعات المسلحة من شمال مالي. يبدو أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون قد أقنعت، في زيارتها أمس للجزائر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بحتمية الحل العسكري في شمال مالي. فقد عبرت كلنتون عن رضاها بنتيجة الزيارة ولقائها بالمسؤولين الجزائريين. موافقة الجزائر على التدخل العسكري يعطي مجموعة دول غرب إفريقيا الضوء الأخضر لتنفيذ الخطة العسكرية التي يعدونها بموافقة الأممالمتحدة، لاستعادة مدن شمال مالي من الجماعات المسلحة والمتمردين الذين يسيطرون عليها. وكانت الأممالمتحدة قد أمهلت مجموعة دول غرب إفريقيا إلى غاية 6 نوفمبر لتقديم استراتيجية تدخل عسكري في مالي، بمساعدة أمريكية وفرنسية. وكان لابد من موافقة الجزائر التي تشترك مع مالي في حدود طولها 1400 كلم. وقد توجهت المساعي الدبلوماسية الفرنسية والأمريكية إلى الجزائر باعتبارها قوة عسكرية في المنطقة، ولها تجربة في مواجهة الجماعات المسلحة، امتدت لعشر سنوات، ولأنها تشترك مع مالي أيضا في وجود السكان الطوارق على ترابها، الذين يرتبطون مع الطوارق في مالي، ومنطقة الأزواد، مركز المتمردين في الشمال. فالجزائر كان لها دور أساسي في حل كل الأزمات بين الحكومة في مالي والمتمردين الطوارق منذ 1990، ومعلوم أنها تفاوض جماعة أنصار الدين المتمردة، عن طريق زعيمها إياد أغ غالي. ومن هذا المنطلق كان إصرار الجزائر على رفض أي تدخل عسكري غربي في مالي، كما ترفض تحديدا انتشار قوات عسكرية فرنسية على حدودها، لما يحمل ذلك من حساسية مرتبطة بالتاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر. لكن الجزائر، من جهة أخرى، لا تريد أن يستمر الوضع على ما هو عليه في شمال مالي، أو أن يتفاقم، لأن تعزيز قدرات الجماعات المسلحة العسكرية وتوسع انتشارها على الحدود الجزائرية يشكل خطرا أمنيا على البلاد. موافقة الجزائر على التدخل العسكري في مالي تقتصر على استخدام القوات الميدانية الإفريقية وحدها، دون غيرها، والاكتفاء بمساعدة استخباراتية ولوجستية فرنسية وأمريكية. وهو ما لا يستبعد فتح المجال الجوي الجزائري للطيران الغربي. ومن أجل تجنب إثارة الحساسية لدى الجزائريين، استعادة واشنطن زمام المبادرة من باريس وتكفلت بإقناع الجزائر بحتمية الحل العسكري، مع توفير جميع الضمانات التي تطالب بها من أجل دعم العملية العسكرية. ومع ذلك يستبعد أن يكون للجزائر دور في التدخل العسكري في مالي، لتحاشي التصادم مع الطوارق، هناك، وما يمكن أن يثيره من حساسية لدى طوارق الجزائر. أما وزيرة الخارجية الأمريكية، فكانت زيارتها للجزائر أيضا ضمن المنافسة الانتخابية، بين الرئيس باراك أوباما وغريمه الجمهوري ميت رومني. فالأزمة في مالي أصبحت موضوع نقاش في الولاياتالمتحدة، منذ مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، على يد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي الموجود في شمال مالي.