صنع آخر أفلام الفنان الجزائري رشيد بن حاج، المفاجأة في اليوم الثاني من فعاليات المهرجان السادس للفيلم العربي بوهران، فكانت القاعة ممتلئة عن آخرها، وشد الجمهور أنفاسه إلى غاية إطلالة خليدة مسعودي، بنظاراتها الشمسية في مظاهرة مناهضة للإرهاب في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت الجزائر تلتهب. صنع المخرج رشيد بن حاج، الفنان المتعدد المواهب، للمتفرجين لوحة متكاملة و''غير منافقة'' عن مرحلة صعبة عاشها الجزائريون. وكان أيضا جريئا عندما عبّر بوضوح عن وجهة نظره في أسباب الأزمة الدموية التي عاشها الجزائريون. وقال أحد النقاد ''يمكن اعتبار فيلم عطور الجزائر بمثابة تأسيس فني حقيقي وحر للتناول السينمائي للمأساة التي عاشها الجزائريون في نهاية القرن الماضي، تماما كما كان فيلم ''معركة الجزائر'' انطلاقة للفيلم الثوري''. وهي وجهة نظر محترمة بالنظر لما بذله الفريق الفني الذي استغل مع رشيد بن حاج إنجاز فيلم سينمائي بكل المعايير الفنية، أراد مخرجه أن يطرح سؤالا، كما قال في النقاش الذي أعقب عرض الفيلم ''إنني مندهش كيف لبلاد مثل الجزائر بجمالها وطيبة وكرم شعبها تنتج كل ذلك العنف المدمّر؟'' لم يكن رشيد بن حاج غامضا، بالعودة إلى قصة الفيلم، حيث حمل الأب ''المجاهد في الثورة التحريرية''، والذي جسده سيد أحمد أفومي، مسؤولية تفكك أسرته، بسبب فعلته الشنيعة بعد الاستقلال عندما اغتصب ابنة رفيقه الشهيد، فهربت ابنته كريمة التي تمتهن التصوير الصحفي إلى الخارج، وتحوّل ابنه مراد إلى أمير إرهابي لا رحمة ولا شفقة لديه. ولقد برهنت الفنانة الجزائرية ريم تعكوشت، التي أدت دور زوجة الإرهابي، عن قوتها الفنية من خلال تقمص دور صعب جدا، وقدرتها على مواجهة الفنانة الإيطالية مونيكا غوريتوري، التي تقمصت دور بنت المجاهد الثائرة على الأب بكل جوارحها. وكعادتها أدت السيدة شافية بوذراع بتحكم كبير دور الأم المجروحة، بين سمعة زوجها المجاهد الملقى في غرفة الإنعاش، وبنتها العائدة من الخارج لنجدة أخيها الإرهابي المسجون في الصحراء، وزوجته الشجاعة التي تقبلت مصيرها الدرامي. يحتوي الفيلم على الكثير من ''العنف''، الذي يعكس بواقعية ما عاشه الجزائريون في أزمتهم. كما صور بحساسية الفنان جمال بلاده ومعالمها التاريخية وفوضاها العمرانية الحالية. وقال ''أعتبر أنني اجتهدت لأقدّم صورة واقعية عما عشناه''. وبالنظر إلى ''التجاوب الكبير'' الذي لقيه الفيلم الجزائري من طرف الجمهور، لا يستبعد متتبعو المهرجان نيله لتتويجات يستحقها. وكان ''عطور الجزائر'' المدرج في مسابقة الأفلام الطويلة، قد سبقه الفيلم المصري المثير للجدل ''الشوق''. للإشارة القاعات الثلاث المخصصة لعرض الأفلام في مدينة وهران تعرف منذ اليوم الأول للعروض إقبالا كبيرا للجمهور والعائلات.