اهتزت كراسي قيادات حزبية جزائرية العام المشرف على الانتهاء، لكن درجاتها اختلفت من حزب لآخر، وانتشرت التصحيحيات والتقويميات والانشقاقات، خصوصا أن 2012 كانت سنة انتخابات، تشريعيات في 10 ماي ومحليات في 29 نوفمبر. شكلت التشريعيات وقودا لكل حركات الاحتجاج التي شهدتها الأحزاب السياسية، خصوصا في جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي والجبهة الوطنية الجزائرية وجبهة القوى الاشتراكية، العام الجاري. واحتاج أمين عام جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، إلى استخدام ''العصا'' للخروج من الحصار الذي وضعه فيه خصومه في دورة اللجنة المركزية، بعدما كان على شفا حفرةمن أن يلقى مصيرا مشابها لما حدث له رفقة الراحل عبد الحميد مهري سنة 1996، وكان يشغل حينها عضوية المكتب السياسي. وفي التجمع الوطني الديمقراطي، ظهرت معارضة شرسة استثمرت في غضب إطارات الحزب من حرمانهم من الترشح. وتشكلت حركة تصحيحية باشرت، قبل التشريعيات، هجمات إعلامية مستهدفة أمين عام الحزب أحمد أويحيى شخصيا، حاولت إضعافه ومنحت الغطاء السياسي لتنحيته من الجهاز التنفيذي في سبتمبر الماضي. وواجه رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، محاولة تجريده من حزبه من قبل خصومه الذين عمدوا إلى منعه من عقد مؤتمره في جوان الماضي، بالموازاة مع حملة إعلامية ومتابعات قضائية، مستغلين فرضه لشروط مالية للراغبين في الترشح. وأدى تراجع حصيلة الحزب في التشريعيات إلى ثورة مرشحي الحزب الذين طالبوا باسترجاع أموالهم. وجددت حركة مجتمع السلم كبرى الأحزاب الإسلامية، عهدها مع الفتن الداخلية، بعد تجربة الانقسام التي تبعت المؤتمر الرابع، وخروج مجموعة مناصرة، حيث شق وزير الأشغال العمومية عمار غول، في صيف 2012، عصا الطاعة وأنشأ حزبا تتشكل نواته من مجموعة من المقاولين. وتشير تحاليل وتصريحات صادرة عن قيادات سياسية، إلى وجود يد خفية، تحرك هذه التصحيحيات، رغبة في إضعاف القيادات السياسية المسيطرة على هذه الأحزاب، للحد من طموحاتها في التفكير في أبعد من المراتب التي وضعت فيها. وينسحب هذا أساسا على جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، حيث يقدم عبد العزيز بلخادم أو أحمد أويحيى كمشروعي رئيس. في حين تعزو مصادر أخرى الظاهرة، لغياب الديمقراطية الداخلية والعجز في الشرعية السياسية لقادة الأحزاب والخضوع لإغراءات السلطة وامتيازاتها. أما الانشقاق، فيجد تفسيره في تصور كثير من القيادات، خصوصا من الصف الثاني، أن آفاق تقدمها في المسؤولية، مستحيل في وجود القيادات الحالية وغالبها من نفس الفئة العمرية، ولإيمانها بأن قادة أحزابها ليسوا أفضل منها تكوينا أو قدرة. والظاهرة التي انتشرت في أحزاب حديثة التأسيس، ستعرف في المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقبلة، نفسا جديدا لصعوبات في التعايش بين القيادات الحزبية، والتوجه لقطع الطريق أمام قيادات حزبية، للتشويش على كل من تشم فيه رائحة التأثير على حظوظ مرشح السلطة.