من مآثر العرب اهتمامهم بحفظ الأنساب. فقد كانوا يتفاخرون بأمجاد الأجداد، فهو سيّدنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، إلى ها هنا متّفق عليه بين النسّابين ولا خلاف فيه البتّة. وما فوق عدنان مختلف فيه، ولا خلاف بينهم أنّ عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السّلام، وإسماعيل هو الذّبيح على القول الصّواب عند علماء الصّحابة والتّابعين، خلافًا لليهود والنّصارى الّذين يزعمون أنّ الذّبيح هو إسحاق، فهذا القول باطل بالإجماع، فاليهود حسدوا بني إسماعيل على هذا الشّرف وأحبّوا أن يكون لهم وأن يسوّقوه إليهم ويحتازوه لأنفسهم دون العرب، ويأبَى اللّه إلاّ أن يجعل فضله لأهله. ويَردُّ الإمام ابن تيمية، رحمه اللّه، على هذه الأباطيل بقوله: ''وكيف يسوغ أن يُقال إنّ الذّبيح إسحاق؟ والله تعالى قد بشّر أمّ إسحاق به وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة إنّهم قالوا لإبراهيم لمّا أتوه بالبُشرى: {لا تَخَفْ إنّا أُرْسِلْنَا إلى قومِ لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها بإسحاق ومِن وراء إسحاق يعقوب} هود:70-71، فمحال أن يبشّرها الحقّ سبحانه بأنّه يكون لها ولد ويكون لهذا الولد نسل طيّب ثمّ يأمر بذبحه.. وكانت السيّدة سارة رضي اللّه عنها، زوج سيّدنا إبراهيم الخليل عليه السّلام، عقيمًا لم تلد وقد أصبحت عجوزًا.. ففاجأتها البُشرى بإسحاق، وهي بُشرى مضاعفة بأن سيكون لإسحاق عقب من بعده وهو يعقوب عليه السّلام، ولا عجب من أمر اللّه تعالى. فالعادة حين تجري بأمر لا يكون معنى أنّها سُنّة لا تتبدّل، وعندما يشاء اللّه لحكمة يريدها، وهي هنا رحمته سبحانه بأهل هذا البيت المبارك، وبركاته الموعودة للمؤمنين فيه، يقع ما يُخالف العادة مع وقوعه وفق السُّنَّة الإلهية، الّتي لا نعلم حدودها ولا نحكم عليها بما تجرى به العادة في أمد هو على كلّ حال محدود.. فالتأثير ليس للأسباب، بل للمسبِّب الصّانع الحكيم سبحانه..