لا يمكن بأي حال من الأحوال مراوغة الرأي العام الرياضي الجزائري، بإلصاق كل التهم اليوم بالمدرّب الوطني وحيد حاليلوزيتش وتحميله وحده مسؤولية خروج ''الخضر'' المخزي من الدور الأول في ''الكان''. اختزال فشل المنتخب الوطني في دورة جنوب إفريقيا في شخص المدرّب البوسني مغالطة كبيرة، ويعني ذلك جعل حاليلوزيتش كبش فداء لتجنيب المسؤول الفعلي عن الكارثة الحساب والسماح له بالتنصل من مسؤولياته، ونقصد به محمّد روراوة، رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم وعضو المكتبين التنفيذيين ل''الكاف'' و''الفيفا''. روراوة مسؤول عن ''نكسة روستنبرغ'' لأنه، باختصار، الرجل الذي فرض وحيد حاليلوزيتش على الجزائريين، حين ظل يلح عليه في الطلب، باعتراف البوسني نفسه، لتولي تدريب المنتخب، وهو المدرّب الذي يفتقد لسيرة ذاتية، ولم يحقق إنجازات كبيرة مع الفرق التي درّبها على غرار باريس سان جرمان ونانت الفرنسيين ومع منتخب كوت ديفوار. هدّم مشروع منتخب ودفن ركائزه وحين كان روراوة في غمرة الفرحة ببلوغ المونديال ونصف نهائي ''الكان'' في ,2010 يصرّ على القول بأنه صاحب فضل على الكرة الجزائرية، مستندا إلى تمرير قانون الباهاماس وضمان أبرز لاعبي المدارس الكروية الفرنسية من مزدوجي الجنسية، فإنه مطالب أيضا بتحمّل مسؤولية أي فشل وهو يشرف على إبطال مفعول نجاح المشروع الذي انطلق في عهد رابح سعدان. رئيس الاتحادية اتفق على القول بأنه بصدد بناء مشروع منتخب مع المدرّب البوسني، لكنه لم يقل بأن مشروعه الجديد جاء على أنقاض مشروع تم هدمه قبل تشييده، لأن المنتخب الحالي لم يعد يضم ركائزه التي بنيت عليها مقومات المنتخب إلى ما بعد مونديال ,2014 وتم ''دفن'' نجومه في بطولة قطرية مغمورة وإحالة بقية العناصر على التقاعد، دون الاستفادة من خبرة هؤلاء الذين اعتزل أغلبهم المنتخب دون سن الثلاثين. مهزلة المدرسة البلجيكية وفشل مشروع روراوة، الذي لم يشيّد بنايته الجديدة على أسس صحيحة مع وحيد حاليلوزيتش، مثلما فشل في وقت سابق مع المدرسة البلجيكية حين جلب ليكنس وواسايح، والنتيجة معروفة تجسّدت في إهانة تلقاها ''الخضر'' أمام الغابون بملعب عنّابة. ولم يجد روراوة حرجا في الدفاع عن خياراته الفاشلة حين تعلق الأمر بمدرب أجنبي، في وقت كان ''يذبح'' كل مدرّب محلي حقق نتائج لكونه لم يكن وراء تعيينه، حيث أقال رابح ماجر بسبب تصريح لجريدة بلجيكية تم تكذيبه، ووصف حصاد ماجر في ''كان'' 2002 بالفاشل لخروجه من الدور الأول رغم تبريرات صاحب العقب الذهبية بكون الأداء كان راقيا لرفقاء عبد الحفيظ تاسفاوت، وكانت حجة روراوة بأن النتائج أهم من الأداء. ولم يتوان رئيس الاتحادية في دفع مدرّبه الذي منحه الشهرة والبحبوحة المالية إلى الاستقالة، لكون رابح سعدان تعثر أمام منتخب تنزانيا بأرضه بعد المونديال، ولم يأخذ بعين الاعتبار بأنه بصدد تنحية مهندس مشروع بناء يوشك على تشييده، وكلّف مدرّبا ''هاويا'' قياسا بأستاذه ''الشيخ''، أكثر من طاقته لإكمال البناء والتشييد، وكان نتيجة ذلك القرار الانفرادي سقوط ''كتيبة'' عبد الحق بن شيخة في ملحمة مراكش وهدم روراوة بقراره البناء. خطاب ألغاز متناقض لا ينتهي رئيس الاتحادية الذي دافع عن وحيد حاليلوزيتش رغم تعنّت الأخير ووقوفه ندا لمن يدفع له من أموال الشعب ما يقارب المليار سنتيم كل شهر، وجد نفسه مضطرا للوقوف في وضعية دفاع قبل ''الكان''، حين غيّر خطابه مرة أخرى وقال بأن الاتحادية منحت الإمكانات وهي بصدد انتظار النتائج، فهو خطاب يختلف عن ألف خطاب سابق، يقول واحد منها بأن عقد الاتحادية مع حاليلوزيتش هو عقد مشروع وليس أهداف، ثم يقول آخر بأن الإقصاء من الدور الأول لا يرغم الطرفين على فسخ التعاقد حتى وإن كان الهدف بلوغ نصف نهائي ''الكان'' والمونديال المقبل. والغريب في كلام روراوة الكثير والمتناقض عدم مواجهة الرأي الرياضي والإعلام بنسخة ''العقد اللغز''، ولم نر من كل مشاريعه أي نجاح لأي منتخب من المنتخبات في مختلف الأصناف. روراوة أخطأ لأنه من هواة القرارات الارتجالية التي لا تقبل النقاش، وهو الذي عبّد الطريق أمام البوسني ليفعل ما يشاء بالمنتخب ويقول عنه ما يشاء، فظل البوسني يجري تجارب مدفوعة الأجر على ''الأفناك''، فجلب بوشوك وصوره نجما ثم استغنى عنه، وتحدث عن بونجاح ولم يمنحه فرصته، ووصف جابو بالجوهرة وأبعده من قائمة ال23 لاعبا، واستغنى عن جبور وعبدون وشاوشي وبلعمري وشافعي وزياني ومطمور ودفع البعض منهم إلى الاعتزال في صورة عنتر يحيى وبلحاج، وحمّل لاعبا مثل سليماني فوق طاقته، وقام بخياراته عن قناعة، ثم تحدث بعد 18 شهرا من الفشل عن نقص خبرة منتخب شارك أغلب لاعبيه في نهائيات كأس العالم، لتبرير غياب الأهداف والنتائج. الأسباب كثيرة ومتعدّدة عن مسؤولية رئيس الاتحادية التي لا يريد أن يكشف النقاب عنها، فلم يشكّل تواجده في ''الكاف'' و''الفيفا'' أي إضافة للجزائر بعدما أصبح الحكّام يحرموننا من ثلاث ضربات جزاء في مباراة واحدة، ثم راح يحضّر لذبح المدرّب الوطني بمجرّد أن شعر بالخطر وبضغط الشارع، ولكل تلك الأسباب، لا يمكن وصف سياسة روراوة، الذي يفتقد لأي مشروع، سوى بالفاشلة على طول الخط، ووجب عليه الكف عن المراوغة وتضييع مزيد من الوقت على الكرة الجزائرية، والرحيل دون رجعة حتى وإن كان بعد رحيله الطوفان.