على رفوف المكتبات، الحرب أيضا.. كتاب بكتاب، ومؤلف بمؤلف، ومكتبة بمكتبة. بين الإسلاميين والعلمانيين تدور معركة الكتاب في تونس، فلكل تيار كتّابه ومؤلفوه، يتبنون أفكاره ويدافعون عن أطروحاته، ولكل تيار كتبه التي تشرح الخيارات الرئيسية، وتحذر من التيار المضاد، وبينهما، انغمس جيل جديد من المغنين التونسيين الشباب في موجة ''الراب السياسي''. تجلى التصادم بين التيارات السياسية في تونس في مضامين الكتب التي تصدر في الفترة الأخيرة، وانتقل الصراع في كواليس البرلمان والحكومة والمنابر إلى المكتبات، منذ وصول حركة النهضة إلى الحكم بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 . بدءا من كتاب ''نهاية البورقيبة'' لنور الدين العرباوي، والذي رصد فيه مسار الثورة التونسية ومساهمة النهضة فيها، وتطرق إلى نضالات الحركة، وشيخها راشد الغنوشي، خلال فترة بن علي، وانتهى إلى كونها الحركة الأكثر انخراطا في المجتمع والأكثر قدرة على حلحلة مشاكله.. لكن هذا الكتاب واجهه كتاب آخر، في الجهة المقابلة، بعنوان ''فصول من تاريخ اليسار التونسي''، لعبد الجليل بوقرة، يرصد فيها نضالات التيار اليساري في تونس خلال عهد النظام السابق وقبله في عهد بورقيبة، والمحن التي تعرّض لها اليساريون، ويبرز انخراط اليسار مع الفئات المطحونة في المجتمع. وفي سياق الحرب الناعمة، يطرح محمد أبو القاسم حاج أحمد، في ''جذور المأزق الأصولي''، المشكلات التي تعترض التيار الإسلامي، والتناقضات التي وقع فيها على امتداد التاريخ، ويطرح الكتاب، في هذا السياق، ما يعتبره تصادما بين طروحات الإسلاميين والواقع المشكّل للمجتمع الحديث. ويرد عليه رياض بن علي الجوادي بكتاب ''مقالات في الإسلام والعلمانية''، ينحاز فيه إلى الخيار الإسلامي، ويبرز فيه الخطوط الفارقة بين الطرح السياسي الإسلامي، الذي يشمل مجمل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبين الخيار العلماني، كطرح سياسي فشل في عديد المجتمعات العربية. ويؤسس الإسلاميون في تونس شرعيتهم، السياسية والشعبية، على رصيدهم النضالي، ويصور الكاتب المحسوب على التيار الإسلامي، سمير الساسي، في روايته ''برج الرومي''، وهو سجن شهير في تونس، معاناة المعتقلين الإسلاميين تحديدا. غير أن نهى بلعيد، في كتابها ''كان يا مكان مجلس تأسيسي''، تنبّه إلى انقلاب النهضة الحاكمة من ضحية للقمع إلى عامل قمع للحريات، وتعدّد، في كتابها، انكسارات تجربة المجلس التأسيسي الذي انتُخب في 23 أكتوبر 2011، وترصد أبرز قضايا الحريات الإعلامية والمدنية التي شهدتها تونس في الفترة الأخيرة، وتصفها ب''انتكاسة الثورة''. كما يهاجم رضا الشنوفي، في كتابه ''تونس الدين أو الدولة''، الإسلاميين ويدافع عن العلمانية في تونس، ويحذر من أن الدولة الدينية، التي تطرحها التيارات الإسلامية، تعد خطرا على المجتمع التونسي، ويرافع لصالح العلمانية، ويعتبر أن العلمانية تجد لها أسسا في النصوص القرآنية. وبين الطرفين، برزت كتب تحاول تقريب وجهات النظر في التيارين الإسلامي والحداثي في تونس، حيث يبحث عياض بن عاشور، في ''الإسلام وحقوق الإنسان''، عن خطوط تقاطع بين الطرح الديني والمفاهيم الحداثية المتصلة بحقوق الإنسان والحريات المدنية، كما يؤثّث سامي إبراهيم كتابه الموسوم ''بين تهافت العلمانيين وقصور الإسلاميين'' بروح انتقادية للتيارين، عندما يبرز حالة الاندفاع والانفصال التي تطغى على السلوك السياسي للعلمانيين، ويبحث عن تفسيرات لقصور الإسلاميين عن التوفيق بين شكل المجتمع التونسي الحديث وأفكارهم. وانكب عدد من الكتّاب على التحذير مما يصفونه ب''لوبيات النظام السابق'' التي تريد الانقلاب على الثورة، ويحذر شكري لطيف، في مؤلفه ''الثورة المضادة''، من الانقلاب على ثورة 14 جانفي، ويدق مختار القلالي والطاهر بن يوسف ناقوس الخطر في كتاب ''القوى المضادة للثورة في تونس.. السبسي نموذجا'' من كوادر النظام المخلوع. ويقدّم رئيس الحكومة السابق ورئيس حركة نداء تونس، باجي قايد السبسي، كنموذج للثورة المضادة، بسبب سوابقه في العمل كوزير للداخلية مع الرئيس السابق بورفيبة وبن علي. ومنح مناخ الحرية المجال واسعا للفن السياسي، ففيما ارتكز اليساريون على إحياء مارسيل خليفة، والشيخ إمام الذي باتت تسكن أغانيه كل يوم اثنين قاعة ابن رشيق وسط العاصمة، اتجه الإسلاميون إلى تشجيع الأمسيات الإنشادية واستدعاء أبرز المنشدين في العالم، كماهر زين وعماد رامي والفرق الإنشادية المعروفة. وبين الفريقين انخرطت مجموعات من الشباب التونسي في عوالم الغناء السياسي، عبر ''الراب ''، وأصدرت عدة فرق راب ألبومات تحمل طابعا سياسيا ونقديا للظروف المعيشية للشباب يبع الثورة، وصراعات السياسيين على الكراسي. كما أصدر نور شيبة ألبوما بعنوان ''صوت الشهيد''، يقول فيه ''لا ركبنا ع الحدث، لا بعنا القضية، النظام بينا عبث، ولعب بيك وبيا''، ووجّه فيها رسالة إلى رئيس الجمهورية بشأن الوفاء للشهداء.