طال مخاض حزب جبهة التحرير الوطني، فهو من السلطتين الفعلية أو الشكلية، بمثابة جهاز البارومتر، لقياس مستوى الضغط الداخلي وتقدير قوة التوازنات. الحالة التي ينشرها من حوله هذا الحزب، هي قريبة من فوضى الاتجاه. فقياداته، وهي متعددة الأجنحة، وجهتها متناثرة وارتباطاتها متعددة. لا أتصور أنه لو كان حزب جبهة التحرير يعيش فعلا ''أزمة حزب''، كان سيطول به الأمر وهو غارق في مستنقعه هذا. وكغيره من الأحزاب التي طمعت من السلطة في شيء من السلطة، ومن دون بحث موضوع هذا التقارب، يعيش عهدا بائسا. والمآخذ التي يمكن تسجيلها على هذا النوع من الأحزاب، أنها تخلت عن ممارسة مهامها، عبر ممثليها في البرلمان، لتكتشف هواية ممارسة الانتقاد وأحيانا المعارضة، في نوادي زرالدة وسيدي فرج، مقتربين من نادي الصنوبر، ربما ل''التبرك'' بالموقع. لكنها ظلت وتظل بعيدة عن التأثير في الأحداث، وكأنها وجدت لتملأ فراغات السلطة في مجال الاتصال والتواصل مع الرأي العام في أوقات أزمة. لم نعثر لها على أدوار داخل المؤسسات الدستورية في قضايا مالي وتيفنتورين، ولا في فضائح سوناطراك.. ولا في أسلوب تعاملها مع احتجاجات البطالين الذين يطالبون بفرصة عمل. فإذا كان الموجود غير موجود (تجاوز العمل بالدستور الموجود وطبقة سياسية مغلولة الإرادة)، من الطبيعي التساؤل عن أهداف بحث تعديل دستوري. ومن الضروري التساؤل: كيف يتم تناول مثل هذا الأمر مع أحزاب تعيش صراعات داخلية عنيفة، بعضها انقسم وما يزال في طور الانقسامات، والآخر ينتظر وما يستطيع تبديلا لأمر يكون تقرر خارج ديار الأحزاب. الجواب قد نجده عند السلطة، فهي لا تبدي علامات لوجود ملامح حل، لذا تعتمد على ''عنصر'' فتح نقاش حول تعديل الدستور، كوسيلة لتسيير الحاضر بكل عناصر أزماته. والقراءة القريبة إلى الواقع أن مظاهر فعل شيء ،سواء أكان في شكل تحقيق أو في شكل استشارات أو مشاورات، هي حركات للتظاهر أو للإيحاء عن رغبة في عمل شيء. وحتى عندما يعبّر رئيس الجمهورية عن سخطه مما آلت إليه قضايا الفساد، يكون أقرب منه إلى الملاحظة من المبادرة، فلا نعثر، مثلا، على ما يوحي بجدية عمل يأخذ اتجاها تصحيحيا. وإذا كان الجميع يحذر من انعكاسات الانحراف، فالعديد منهم ينتفع من مظاهره، عبر الاستثمار في انسداد الأحزاب وتشتيت التركيز الوطني حول تحديات بناء أمة متقدمة بمدرستها وقوية بصحتها. لم نعد ننزعج لمظاهر تفكك العلاقات الاجتماعية التي هي من نتائج تفكيك الترابط الاقتصادي وتمزيق النسيج السياسي، عبر مراحل، من بينها ''الاستخفاف'' بالدستور، عبر ''تكرار''عمليات اختراقه لتغيير مواده، كيفما يشاء الرؤساء ومحيطهم، وأيضا من خلال العبث في الأحزاب وتعميم مظاهر اللااستقرار المعبر عنها من خلال ''تكرار'' حالات التصحيح. والواضح أن مشاكل البلد كثيرة، وعلى تنوعها، لم تهتد الحكومة (على اعتبار أنها هي الواجهة) إلى صيغ أكثر عملية لمواجهة مظاهر الغضب متعددة الأسباب والمتنوعة المطالب، لتجد نفسها تطبق أحد الأمرين، إما العمل بالوعود وإما العصا والغاز المسيل للدموع.. ماذا لو يقرر المتخاصمون في حزب جبهة التحرير الوطني كسر الروتين وتغيير الأسلوب بقلب العادات، من خلال البحث عن حل عن طريق الصندوق.. فيقرر الأعضاء من يختارون من بين المرشحين؟ الحقيقة أن أطرافا تخاف حكم الصندوق ولا تستبعد عودة بلخادم إلى منصبه، لو تتم العملية عن طريق الانتخابات. وبغض النظر عما سيؤول إليه أمر الجبهة، فهو لن يخرج عن سياق ''صناعة القدر'' المرتبطة بطبيعة البناء القائمة عليه منظومة الحكم والمعبّر عنها بصيغ ''الوفاق'' و''الاتفاق''.. وهي صيغ فارغة لا تعبر عن حقيقة العلاقات. والعبرة أن ضحايا اليوم من عدم الاحتكام إلى الصندوق، هم من استفادوا منه أمس.. وما ندركه أن مفهوم التداول، حسب ما هو مطبق، ليس له أي علاقة بالمفهوم الذي درسناه أو ذلك الذي قرأناه عن أمم صعدت من الضعف إلى مستوى القدرة على صيانة سيادتها. والمفاهيم هي اللغم. تفجر سياقات بناء ''وفاق'' الأمة حول شكل وموضوع منظومة الحكم، فهزات المجتمع هي ارتدادات.. [email protected]