يعترف القيادي في حزب جبهة التحرير الوطني عضو اللجنة المركزية، حسين خلدون، بأن رحيل عبد الرزاق بوحارة الذي كان أقرب لتولي منصب الأمين العام، يُمثّل صدمة حقيقية من منطلق »صعوبة« إيجاد شخصية بنفس الشروط التي كانت متوفرة فيه، ويرى أن الظرف الحالي الذي يمرّ به الأفلان يستوجب الترفّع عن الأنانيات والحسابات الشخصية، وحتى وإن أشار خلدون في هذا الحديث الذي خصّ به »صوت الأحرار« إلى أن تحقيق التوافق ليس بالأمر الهيّن إلا أنه مع ذلك يدعو أعضاء اللجنة المركزية إلى »التحلّي بروح المسؤولية« في هذا المرحلة التي يصفها ب »الصعبة والحسّاسة«. الكثير راهنوا على أن الدورة الأخيرة للجنة المركزية ستكون آخر حلقة من مسلسل الخلافات القائمة في صفوف جبهة التحرير الوطني. هل تعتقدون بأن هذه الدورة شكّلت فعلا أرضية صلبة لتجاوز تراكمات سنوات من الصراع على »الشرعية« في قيادة الحزب؟ هذا أمر لا شكّ فيه، ما يستدعي التذكير هو أنه قبل انعقاد الدورة العادية للجنة المركزية كان حزب جبهة التحرير الوطني يعيش في أزمة حقيقية وصلت إلى حدّ صعب جدا وكان حلّها هو ما فرضه الصندوق بتجديد أو بسحب الثقة من الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم. وما حصل في 31 جانفي الماضي كان بمثابة بداية الحلّ بغضّ النظر عن النتائج التي أفرزتها العملية. الآن أغلبية أعضاء اللجنة المركزية قرّرت سحب الثقة من الأمين العام وبالتالي زال وجه من أوجه الصراع الذي كان قائما قبل 31 جانفي ,2013 وهو يتمثل في كون أعضاء في اللجنة المركزية عارضوا استمرار القيادة الحزبية. في الواقع كانت أسباب المعارضة لشخص الأمين العام السابق متعدّدة منها ما يعود إلى تداعيات المؤتمر التاسع ومنها ما يرتب بالممارسات اليومية خاصة بعد انتهاء عملية إعادة تجديد الهياكل القاعدية، فقد كانت هناك عدة طعون مطروحة وبقيت عالقة دون البتّ فيها رغم الالتزامات المتكرّرة التي أطلقها عبد العزيز بلخادم على نفسه. كل هذه التراكمات ساهمت في تعميق الأزمة أكثر والدفع بها لأخذ عدة أبعاد حتى جاءت الانتخابات التشريعية للعاشر ناي 2012 التي لم تشهد شفافية في دراسة ملفات المترشحين، بل رافقها تغييب واضح لدور اللجنة المركزية مع تهمشيها بطريقة متعمدة على الرغم من كونها أعلى هيئة بين مؤتمرين، كما أن أعضاء اللجنة لم تُستشر في الكثير من المسائل الحسّاسة بما في ذلك التهميش المتعمّد لأعضائها الذين كانوا يعارضون صراحة سياسة القيادة حينذاك. أنتم اعتبرتم بقاء بلخادم على رأس الحزب سببا وحيدا في أزمة الأفلان، لكن ما يحصل الآن من استمرار الصراع على من يتولى القيادة يُثبت العكس، أي أن الأزمة كانت أكبر بكثير مما كنتم تتحدّثون عنه. أليس كذلك؟ الآن بعد أن تجاوزنا بعض الخلافات يبقى المطلوب من أعضاء اللجنة المركزية هو العمل من أجل إنقاذ الحزب من خلال توحيد الكلمة ورصّ الصفوف والعمل على الذهاب لعقد الدورة الاستثنائية بمرشح إجماع، وهناك الكثير من الإخوان من يقاسمونني هذا الرأي، لأن الصندوق في هذه الحالة سوف يُشتّت اللجنة المركزية إلى أقسام وجبهات بحسب عدد المترشحين لمنصب الأمين العام، وهذا ما سيكرّس الانقسام الذي كان أصلا موجودا داخل أعلى هيئة بين مؤتمرين. وأنا شخصيا أقترح الذهاب بمرشح إجماع تكون له مواصفات التاريخ والماضي الثوري والكفاءة والقدرة على جمع الصفوف لوضع جبهة التحرير الوطني في مستوى مواجهة التحديات الحقيقية التي تنتظرها وحتى الرهانات التي تنتظر الجزائر بدءا من تعديل الدستور ووصولا إلى استحقاق الانتخابات الرئاسية .2014 إذن من مصلحة الحزب أن يكون موحدا خاصة في مثل هذا الظرف الحسّاس الذي تمرّ به البلاد، فنحن مطالبون بتحصين الوحدة الوطنية لأن حدودنا الشرقية والجنوبية تتهدّدها مخاطر كبرى، ولذلك فإن الأفلان بحاجة إلى قيادة تحظى بالإجماع وأمين عام يكون شخصية المرحلة بكل المقاييس بشرط أن يكون خارج الصراعات، وهذا لا يمنع من وجوب التأكيد على منح الثقة للكفاءات الشابة بإعطائها الفرصة هي الأخرى لإثبات وجودها وهذا برأيي سيكون لا محالة عاملا حاسما في ضمان التهدئة والاستقرار داخل بيت جبهة التحرير الوطني. أنتم لم تجيبوا بوضوح على سؤالي. سأطرحه بطريقة أخرى: ألا تعتقدون بأنّ بعض الأطراف داخل الحزب، أقصد اللجنة المركزية، تسعى للانقضاض على قيادة الحزب من خلال تحرّكات توحي بأن مسلسل الصراع لن ينتهي بمجرّد انعقاد الدورة الطارئة للجنة المركزية؟ باستطاعتنا الآن تجاوز كامل خلافاتنا التي كانت مطروحة سابقا، أنا أقدّر وأحترم موقف بعض إخواننا وأدعوهم من هذا المنبر إلى طرح مشاكلهم بعيدا عن كل أشكال التصعيد لأننا نعترف بأننا نتقاطع معهم في الكثير من المسائل والأهداف خاصة منها ما تعلّق بإعادة بناء الحزب وتطهير صفوفه وكذا إعادة النظر في تنصيب الهياكل حتى لا تبقى مشتتة ومبعثرة بالشكل الذي هي عليه حاليا حتى لا تبقى سياسة الإقصاء. وأكثر من هذا فإن المطلوب منا، باعتبارنا مناضلين، هو العمل على إزالة مصطلح »الإقصاء« من قاموس حزبنا نهائيا، هذه هي المسؤولية ملقاة على عاتقنا جميعا وعلينا أن نستوعبها جيّدا حتى لا نقع في الأخطاء نفسها التي أدّت بنا إلى ما نحن عليه. من يرغب في التموقع لا بدّ أن ينتظر إلى حين نذهب إلى اللجنة المركزية ونحتكم فيها إلى الصندوق، يجب ألا نخاف من المناضلين، ما يهمّنا فقط هو السماح للمناضلين الشرفاء والحقيقيين بالعودة إلى صفوف الحزب حتى نضع بذلك حدّا لحالة التشرذم والانقسامات الحاصلة في هذه المرحلة. ما أريد التأكيد عليه مرة أخرى هو أن الجبهة الوطنية تحتاج اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى جبهة التحرير الوطني حزبا موحدا مستقرّا في الصفوف والكلمة، ويجب ألا ننسى بأننا حزب ساند ولا يزال يدعم رئيس الجمهورية، وبرنامجه لا يزال قيد التنفيذ ونحن نحثّ كل مؤسسات الدولة من أجل الإسراع في تنفيذه وتحقيق أهدافه. على ذكر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي هو الرئيس الشرفي للحزب، أيّ دور يُمكن أن يلعبه في حلّ أزمة الأفلان؟ لا يخفى عليكم أن تعيين الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني من صلاحية اللجنة المركزية من الناحية القانونية، لكن من الناحية السياسية بإمكان رئيس الحزب أن يلعب دورا كبيرا، بل حاسما، في تهدئة الأوضاع ويكون رأيه محوريا في طريق الخروج بحزبنا من هذه الأزمة التي استمرّت طويلا. ومن هذه الزاوية أقول بأنه لا شيء يمنع رئيس جبهة التحرير الوطني من التدخل من أجل توجيه القيادة لاختيار الشخصية التي تقتضيها المرحلة الحالية. هناك من يستعجل الذهاب إلى عقد مؤتمر استثنائي في غضون الأشهر القليلة المقبلة. أتعتقدون أنه من مصلحة الحزب تبني خيار من هذا النوع؟ المؤتمر الاستثنائي ضروري في اعتقادي لكن لا بدّ من أن يسبق هذه الخطوة التركيز على توحيد الصفوف والعمل على عدم تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبناها في مرحلة سابقة وقد دفعنا ثمنها ولا نزال حتى الآن، وبهذا المفهوم فإن المؤتمر الاستثنائي يعني الخروج بقيادة جديدة تحظى بكامل الشرعية وببرنامج عمل واضح يعكس طموحات كل الشعب الجزائري من موقع الريادة الذي تحتله جبهة التحرير الوطني. يتعيّن على حزبنا أن يعود إلى رسالته الحقيقية وألاّ يبقى محصورا في صراع الأشخاص والمناصب لأن استمرار هذا الوضع سيزيد من إضعاف الجبهة، وإذا لم ننجح في جمع الشمل ورصّ الصفوف والذهاب إلى مؤتمر ناجح بكل المقاييس فإننا لا محالة ذاهبون نحو المجهول وإلى نفق مظلم قد ندفع ثمنه غاليا . نفهم من هذا الكلام أنكم تقصدون ب »النفق المظلم« هو استمرار الصراع على من له »الشرعية« لقيادة الحزب، وهي الظاهرة التي كانت ولا يزال أكبر عائق مطروح على مستوى الأفلان، أم أن لكم رأيا آخر؟ الانقضاض على القيادة أمر وارد. غير أن الانقضاض لا يعني الطموح الذي هو أمر مشروع، فمن حقّ كل عضو في اللجنة المركزية أن يُعبّر عن ذلك لكن بعيدا عن كل أشكال التهديد أو الضغط، لكن المطلوب من كل طامح لهذا المنصب أن يُقدّم أفكارا وإذا لاقت ترحيبا لدى أغلبية أعضاء اللجنة المركزية عن طريق الصندوق فلا مانع، بالعكس نحن بحاجة كما ذكرت إلى كل من تتوفر فيه الأفكار والنزاهة والكفاءة ونكران الذات، نحن بحاجة فعلا إلى هذا الصنف من القياديين. الأكيد أنه ليس بيننا طرف منهزم وطرف آخر منتصر، مثل هذه المفاهيم لا تخدم مصلحة حزبنا، ولذلك يتوجب أن نطوي هذه المصطلحات إلى غير رجعة، فاللجنة المركزية التي تنتظرها رهانات وتحدّيات كثيرة عليها أن تفرز قيادة واحدة، وعلى الجميع أن يفهم بأننا كل الأعضاء متساوون في الحقوق والواجبات، ولا بدّ من التذكير هنا بأنه حتى الإخوان الذين كانوا في صفّ الأمين العام السابق عبد العزيز بلخادم لا يجب أن يُلاموا لأن القضية قضية قناعات ومن حقّ أيّ منا أن يتبنى مواقفه بحرية وهذه هي الديمقراطية التي سمحت لنا في الأخير بتحديد مسار اتجاه الحزب. وعلى هذا الأساس أغتنم الفرصة لأوجّه نداء إلى كل أعضاء اللجنة المركزية من أجل وضع مصلحة الحزب فوق أيّ اعتبار آخر وتجاوز الخلافات والحسابات الشخصية، وأكثر من ذلك هو التحليّ بروح المسؤولية لأن حزبنا يمرّ فعلا بظرف بالغ الحساسية والصعوبة ولا سبيل لتجاوزه سوى بالترفع عن الأنانيبات والحسابات الضيقة . رحيل المناضل عبد الرزاق بوحارة شكّل صدمة حقيقية للحزب خاصة وأنه كان أقرب لتولي منصب الأمين العام في هذه المرحلة بوصفه »رجل الإجماع«. ألا تعتقدون أنه برحيل هذا الرجل سيدخل الأفلان في دوامة جديدة اسمها »البحث عن رجل المرحلة« في ظلّ اختلاف وجهات النظر بشأن طريقة اختيار الأمين العام سواء بالتزكية أو الصندوق؟ لا يخفى عليكم بأن عبد الرزاق بوحارة ? رحمه الله- كان أملنا لأنه الشخصية التي كان التوافق ممكنا حولها، فقد كان قاب قوسين أو أدنى من تولي منصب الأمين العام للحزب، وبرحيله من الصعب أن تتوفر المواصفات والشروط التي ينفرد بها في شخصية أخرى. الآن الصراع داخل الأفلان قد يتّخذ أشكالا متعدّدة، فالقضية لم تعد مسألة من هو مع الأمين العام السابق ومن هو ضدّه ولكن هي أبعد من ذلك، القضية هو ظهور طرف جديد في الصراع يريد استخدام آلية المكتب السياسي لبلوغ أهدافه واسترجاع زمام المبادرة. ما يحصل هو وقوع تأويل خاطئ للمادة 158 من النظام الداخلي للحزب لأن منطقة الأشياء يقول إنه لا وجود للمكتب السياسي بعد الدورة الأخيرة للجنة المركزية.