من آفات اللّسان المُزاح الكاذب، وأمّا الصّادق اليسير فلا بأس. كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمزح ولا يقول إلاّ حقًّا، فإنّه قال لرجل: ''يا ذا الأذنين''، وقال لآخر: ''إنّا حاملوك على ولد الناقة''. وقال لعجوز: ''إنّه لا يدخل الجنّة عجوز''، ثمّ قرأ عليه الصّلاة والسّلام قوله تعالى من سورة الواقعة: ''إنّا أنشأناهُنّ إنشاءً فجعلنهنّ أبكارًا''، وقال لأخرى: ''زوجك الّذي في عينيه بياض''. فقد اتفق في مزاحه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه حقّ، وأنّ مزاحه كان نادرًا، وكان مع النّساء والصّبيان ومَن يحتاج إلى تأديبه من ضعفاء الرّجال. فالإفراط في المزاح منهي عنه، هذا إذا كان صادقًا، وأحرى إذا غشيته ظلمات السّخرية أو الغتبة، وما إلى ذلك من المحرّمات.. نعم منهي عنه، لأنّه يسقط الوقار ويوجب الضغائن والأحقاد ويميت القلب ويورث البلادة ويهبط بصاحبه إلى دركات البهائم.. وكذلك السّخرية والاستهزاء، ومعناها الاحتقار والاستهانة، والتّنبيه على العيوب والنّقائص على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، والكلّ ممنوع في شرعنا. إلى جانب إفشاء السرّ وإخلاف الوعد والكذب في القول واليمين، وكلّ ذلك منهي عنه، إلاّ ما رخّص فيه لإصلاح ذات البين، أو لدفع ضرر عن النّفس والمال والوطن، فإن ذاك مباح.