استطاعت ''الخبر'' الظفر بفرصة حوار مطول مع الشيخ عادل الغرياني، الأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية الماليزية، والداعية البارز بهذا البلد من خلال البرامج الدعوية التلفزيونية التي يقدّمها، نظرا للطرح الموسوعي في مواضيع السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي الذي يتميز به، والذي مكّنه من تقديم قراءات جديدة وحديثة تتّسم ب''الجرأة والتميّز'' قلّ نظيرها في الفكر الإسلامي المعاصر. تتحدثون دائمًا عن ضرورة وجود ضوابط لمدارس كتب الحديث، ما هي هذه الضوابط، ومن هي الجهة الّتي تقف على تطبيقها؟ وجهة رأيي في هذا الموضوع أن يُدعى ناس من التربويين، المؤرخين، علماء النفس، الاجتماع، التاريخ، الجغرافيا، والخبراء العسكريين، بالإضافة إلى علماء التفسير والحديث لتأليف عمل مشترك ومتكامل عن السّيرة النّبويّة، وهذه بمثابة مبادرة أدعو لها للقيام بهذا العمل. وصدّقني أنه سيخرج لنا عمل يتماشى مع عقلية الإنسان الحديث، وهذا يعني أن هذا العمل يجب ترجمته لعدة لغات، وحينما سيتم نقل هذا العمل إلى الإنجليزية والفرنسية، وكل اللغات العالمية، سترى ثمارا لذلك، لأننا نلاحظ أن الذين دخلوا الإسلام هم أولئك الذين قرأوا السّيرة النّبويّة بشكل مبسط. كما أنني أستشعر أنه قبل أن تعرّف الشخص بشعائر الإسلام، وتدخل به في نصوص القرآن، عليك أن تعرّفه بمن يكون هذا الشخص التي يريد اتّباعه. ألاَ تعتقدون أنّ مشكل السّيرة النّبويّة قد تفاقم مع الانتشار الكبير للقنوات الفضائية؟ واللّه أحيانا أضحك على بعض الدعاة والمشايخ وما يقدّمونه حول السّيرة النّبويّة في الفضائيات، حيث إنني أستغرب من أين جاءوا بهذه الأخبار والمعلومات، فأحيانا يذكرون أعداد لحجّات ولعُمْرات الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ما أنزل اللّه بها من سلطان. ف''أحد الدعاة'' قال يوما إن الرسول حجّ 20 حجة واعتمر 40 عمرة، وأحيانًا يسرد هذا ''الداعية'' أو ذلك ''الشيخ'' رواية ضعيفة، ويحاول إقناع الناس بها على أنها صحيحة، دون سند أو دليل. يلاحظ في مواقفكم تحفّظ على ما ورد في بعض كتب السّيرة، الّتي ترون فيها إساءة لسيرة الرّسول وصحابته رضوان اللّه عليهم، كيف ذلك؟ لو اطّلعتَ على كتب السّيرة لوجدتها تتحدث عن الصّحابي ''أبو سفيان'' في مواقف محددة، في غزوات أحد والخندق وفتح مكة. ثمّ إن اسم هذا الرجل سرعان ما يتلاشى، رغم أن الرجل كان له دور كبير في نصرة الإسلام. وثانيًا الأرقم بن أبي الأرقم، صاحب البيت الذي كان يجتمع فيه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم في بداية دعوته مع أصحابه، فاسم هذا الرجل يقتصر ظهوره على المرحلة السرية من الدعوة النّبويّة وبعدها يتلاشى اسمه. ولماذا لا يتم التركيز على موقف الرّسول حين اشترط حرية 70 أسيرًا من كفار قريش بتعليم كلّ واحد لعشرة من المسلمين، أليس في هذا الموقف الكثير من الحكمة والسياسة الراشدة، إذ إن الأمة ستستفيد من700 متعلم، كما أن هذا الكافر سيستقر لأيام، وسيكتشف من خلالها أخلاق المسلمين وقد يتأثّر بها. فاقرأ كتب السّيرة، سوف لن تجد مثل هذه الوقفات. وبالتالي فنحن مطالبون بإعادة النظر في بعض الوقائع، فمثلاً الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لم يقل ''أنا عبقري''، فلماذا نطلق عليه هذا الوصف، وكيف سيكون لنا قدوة لو كان هذا الوصف. بل إن بعض الكتب ككتاب ''حياة محمّد'' تعاملت مع الرّسول ليس على أنّه ''نبي''، بل على أنّه ''بشر مطلق'' وليس معصوم. وهذا الكتاب سرعان ما كشفت عوراته حين تم ترجمته إلى الإنجليزية. ما رأيك بما يصطلح عليه ''حملات الدفاع عن الرّسول''؟ أنا صراحة لا أقول ب''الدفاع عن الرّسول'' صلّى اللّه عليه وسلّم، لأن الرّسول ليس في حاجة لمَن يدافع عنه. أنا أقول بالتّصحيح، نحن في أمسّ الحاجة إلى تصحيح الصورة، وهذا عن طريق مادة علمية صحيحة، فالعلم يردّ بالعلم، والعقل يردّ بالعقل، والفكر يردّ بالفكر. فعلينا أن ننظر إلى هذه الحملات على أنّها أفكار وليست مجرد حرب على الرّسول، فهذا الأمر عاطفي فقط، وأنا لا أقبله. هم لديهم أفكار مفادها أن ''محمّد ليس نبيّا'' يحاولون ترويجها عن طريق الكاريكاتير أو غيره، وكأنّهم يريدون أن يقولوا ''يا مسلمي العالم محمّد ليس بنبيّ''، وهذه الفكرة قائمة منذ آلاف السنين ويحاولون اليوم إحياءها. وعليه فهذه الحملات قائمة ولم تتوقف، فالحرب القائمة على الرّسول هي حرب أفكار، لكن للأسف المسلمون واجهوها بحملات المقاطعة بدل مواجهتها بالأفكار. فعلينا العمل على ''إثبات أن محمّد نبيّ''، وهذا عبر مواد علمية صحيحة، وإظهار مختلف جوانب حياة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فما الّذي تدعو إليه؟ علينا أن نعرف كيف يفكّر الطرف الآخر، وعليك مواجهته بالفكرة الّتي تواجه فكرته أو تنسفها، من خلال تبيان أن النّبيّ لم يكن مجرد مقاتل فقط، بل إنّه كان أستاذا ورجل الرّحمة في العالم.