أثار اهتزاز الأرض في عدة مناطق من الوطن، مؤخرا، ولأكثر من مرة، هلعا ومخاوف لدى المواطنين، لاسيما أن هذا النشاط الزلزالي تزامن مع ذكرى الزلزال العنيف الذي ضرب ولاية بومرداس في شهر ماي من سنة 2003. لتسليط الضوء على هذه الظاهرة الطبيعية، نظمت "الخبر" ندوة حضرها المدير العام لمركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء، عبد الكريم يلس، إلى جانب خبراء وباحثين جزائريين في علم الزلازل. أكد المدير العام لمركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء، عبد الكريم يلس، في ندوة نظمتها الخبر، أن الحركة الزلزالية التي عرفتها الجزائر، مؤخرا، ليست إلا نشاطا عاديا مستمرا منذ عصور جيولوجية، نتيجة التقارب بين الصفيحة الإفريقية والأوروآسيوية، ولم يستبعد أن تكون الجزائر معرضة لتسونامي ولو بدرجة ضعيفة مقارنة بذلك الذي شهدته اليابان وجزيرة سوماطرة. قال يلس إن النشاط الزلزالي لشمال الجزائر مرتبط بسرعة التقارب بين الصفيحتين الإفريقية والأوروآسيوية، موضحا بأن الحركة الزلزالية في بلادنا معتدلة بالمقارنة مع دول شرق حوض البحر الأبيض المتوسط، على غرار إيران وتركيا التي تشهد، من وقت لآخر، هزات عنيفة ومدمرة. بالمقابل، هي أسرع منها في جنوب أوروبا مثلما هو الحال في فرنسا وإسبانيا. وأضاف ضيف ندوة "الخبر" أن المعدل السنوي لسرعة التقارب بين الصفيحتين غرب البحر المتوسط، وهو موقع الجزائر، بين 5 إلى 7 ملم سنويا، فيما تصل إلى 2 سنتم في الناحية الشرقية، وأضاف: "غير أن هذا بعيد عن ما يحدث في اليابان، حيث يصل التقارب بين الصفائح إلى 10 سنتم". وفي رده على سؤال حول ما إذا ما كانت الجزائر مهددة بزلزال عنيف بسبب التقارب في الصفيحتين، اكتفى بالقول "الجزائر معنية بنشاط زلزالي معتدل فقط". وفسّر المدير العام ل"الكراغ" الظاهرة الزلزالية بأنها تحدث نتيجة ضغوط داخل القشرة الأرضية وكذا تسرب كمية من الطاقة المتراكمة، وفي الجزائر نشهد من 2 إلى 3 هزات أرضية يوميا بمعدل شهري يصل إلى 100 هزة، وكل ثلاثة إلى أربعة أشهر يمكن أن تحدث هزة تصل إلى 4 درجات، أما الهزات القوية فهي متباعدة زمنيا، وقد تحدث الزلازل الكبرى والمدمرة كل أربعة قرون. وأوضح يلس بأن الحركة الزلزالية تحدث حول حدود الصفائح وليس داخلها، لكن هذا لم يمنع وجود استثناءات تفسر الحركة داخل بعض الصفائح في القارة الإفريقية مثلا، حيث تعرف بعض المناطق وجود انكسارات. أما في جنوبنا الكبير، فأشار محدثنا إلى وجود حركة زلزالية صغيرة مرتبطة بالنشاط البركاني القديم والتاريخ الجيولوجي للهڤار. وعن إمكانية ارتباط حدوث الزلزال بفصول معينة أو ظروف مناخية خاصة، مثل الحرارة غير الموسمية مثلما هو شائع، نفى يلس الأمر تماما، موضحا بأن الزلزال يحدث في القشرة الأرضية وليست له علاقة بالتغيرات المناخية الخارجية للكرة الأرضية، وأضاف: "الزلازل تحدث في المناطق القطبية، وسبق أن شهدت بلادنا زلازل على مدار السنة، إذ مثلما وقع زلزال في 20 ديسمبر 1999 في ولاية عين تموشنت، حدث أن اهتزت الأرض بولاية جيجل في أفريل سنة 1856". "الكراغ" على الفايسبوك lفتح "الكراغ" صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك". وذكر محمد حمداش، الباحث في المركز، أن الصفحة ستمكّن المواطنين من الاطلاع على معلومات آنية خاصة في حال وقوع زلزال في الجزائر على وجه التحديد أو في أي نقطة من العالم، مع إدراج مواضيع تحليلية عن الزلازل وبالصور، ويمكن الاشتراك في الصفحة للبقاء على اتصال مباشر بالمركز. ويضيف حمداش أن الصفحة من شأنها أن تزيل المعتقدات الخاطئة لدى المواطنين الذين يربطون وقوع الزلزال بارتفاع درجة الحرارة مثلا، أو أن الأرض تنشق خلال الهزات الأرضية لتبتلعنا، في حين أن كل ذلك نابع من الخيال. وبإمكان الزلازل أن تحدث فعلا شقوقا في الأرض وعلى جدران المنازل، وهذه ليست إلا تأثيرات ثانوية تسببها شدة الهزة. نحن لا نستخلص الدروس من تجاربنا دعا يلس إلى ضرورة إعطاء أهمية للوقاية من الزلازل، فبلادنا شهدت في تاريخها عددا معتبرا منها، وبعضها كان عنيفا وعلينا أن نعي ذلك، "غير أننا لا نستخلص الدروس من تجاربنا السابقة". وذكّر المدير العام ل"الكراغ"، بالزلزال القوي الذي ضرب ولاية بومرداس سنة 2003، مؤكدا أن أغلب المباني المتضررة هي التي شيّدها الخواص. وأبرز المتحدث ضرورة أن تكون مدننا مبنية حسب المقاييس الزلزالية، مضيفا: "يتجاهل المواطنون استشارة أهل الاختصاص والمهندسين عند قيامهم بتشييد منازلهم رغم علمهم أنها تقع في منطقة زلزالية، في حين يمكن لاستشارة بسيطة لا تكلفهم ماديا، أن تجنبهم خسارة مئات الملايين دفعوها لبناء بيوت تحولت في لحظات إلى أنقاض، مثلما هو الحال في بومرداس مثلا". ومن جملة النصائح التي قدمها المدير العام ل"الكراغ"، وضع برامج تربوية هادفة لتعويد الأطفال على كيفية التعامل مع الظاهرة الزلزالية، والإلحاح على المعلمين للتحدث مع التلاميذ في الأقسام حول كيفية حماية أنفسهم في حال وقوع هزة أرضية. معلومات المراكز الأجنبية لرصد الزلازل غير دقيقة قلّل المدير العام ل"الكراغ" من أهمية المعلومات التي تقدمها مراكز رصد الزلازل العالمية، حيث قال: "إن المعلومات التي تقدمها بعد وقوع أي زلزال في الجزائر غير دقيقة وتقريبية، وتقتصر في الغالب على تحديد شدتها دون الموقع"، وأضاف يلس أن هذه الشبكات لديها التزام بإعطاء معلومات حول حدوث أي زلزال في العالم. وأبرز ضيف "الخبر" أن المركز مسؤول على تقديم معلومات دقيقة وأولية حول الهزة بعد بضع دقائق من حدوثها، من أجل توجيه عناصر الحماية المدنية والجيش إلى المكان الصحيح للتدخل السريع واتخاذ تدابير الإسعاف في حال ما إذا أحدثت الهزة خسائر، مضيفا أن التطور التكنولوجي له الفضل في نقل المعلومة، إذ أن الجزائر توجد بها شبكة وطنية لرصد الزلازل وكل شبكة ترسل المعلومات حول الهزة آليا إلى الشبكة الرئيسية في بوزريعة، ومن هنا تعطى المعلومات الرئيسية. وحول هذه النقطة، أوضح يلس بأن الباحثين في الزلازل بالمركز، متصلون بشبكة خاصة ترسل آليا رسائل نصية عن طريق الهاتف النقال، ثلاث دقائق على أقصى تقدير بعد وقوع الزلزال. زلزال بجاية قيد الدراسة أوضح خروبي عبد العزيز، باحث في مركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء، بأن الباحثين في "الكراغ" بصدد دراسة الزلزال الذي ضرب بجاية مؤخرا، لتحديد التصدع الذي تسبب في الهزة في عمق البحر. وأشار خروبي إلى أن مشروع بحث جمع بين المركز ومخبر فرنسي بين سنتي 2003 و2005 لدراسة المنطقة البحرية للجزائر، على اعتبار أن عدة زلازل عرفتها البلاد في تاريخها، حدد مركزها في البحر. وتم تسخير باخرة علمية لدراسة المشروع، مضيفا: "تمكنا من جمع معلومات قيمة جدا حول المنطقة البحرية للجزائر، حيث توصلنا إلى تحديد التصدع الذي تسبب في زلزال بومرداس. الجزائر عرفت "تسونامي معتدل" في بومرداس وجيجل كشف المدير العام لمركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء، عبد الكريم يلس، خلال الندوة، أن أمواج المد البحري أو ما يعرف بالتسونامي المصاحب للهزات الأرضية، غير مستبعد على المناطق الساحلية للوطن، ولكن شدته لا تضاهي التسونامي الذي ضرب اليابان وآسيا. وأشار يلس إلى أن التسونامي من الناحية العلمية ظاهرة حدثت ومازالت تحدث، مستدلا بذلك الذي ضرب سواحل ولاية جيجل في 21 أوت 1856، لكن شدته كانت ضعيفة، حيث لم يتجاوز ارتفاع الأمواج المتر الواحد، إلى جانب التسونامي الذي ضرب ولاية بومرداس بعد الهزة الأرضية في 21 ماي 2003 والتي بلغت شدتها 6 درجات. وذكر يلس أن الدراسات والتحاليل الجيوليوجية التي قام بها باحثون جزائريون، أكدت أنه يمكن أن تحدث هزات على مستوى البحر، ورغم أن موقع الجزائر المرتفع يحميها من الظاهرة، إلا أن الحيطة ضرورية في الولايات الموجودة على الشريط الساحلي، وينبغي اتخاذ إجراءات لحماية الموانئ. الهزات التي تتعرض لها الجزائر "تكتونية" تصنف الزلازل التي تضرب الجزائر، حسب رئيس قسم العلاقات الخارجية وتثمين نتائج البحث ب"الكراغ"، العمالي محمد كمال، ضمن الزلازل التكتونية. وتنتج الزلازل التكتونية عن حركة الصفائح الأرضية الناتجة عن وجود ضغوط لحركة الطبقات الكبرى والصغرى، التي تشكل القشرة الأرضية والتي يبلغ عددها اثنتي عشرة طبقة. وتحدث معظم الزلازل على حدود هذه الطبقات في مناطق تنزلق فيها بعض الطبقات على البعض الآخر أو تنزلق تحتها. كما نفى المتحدث وجود نشاط زلزالي بركاني، لغياب نشاط بركاني في الجزائر، أما عن الحركة الزلزالية بالجنوب، فقال إنه نشاط زلزالي صغير وموجود داخل صفيحة الأرض. يستحيل التنبؤ بالزلزال استبعد المدير العام لمركز البحث في علم الفلك والفيزياء الفلكية والجيوفيزياء، عبد الكريم يلس، تماما إمكانية التنبؤ بحدوث الهزات القوية أو حتى الضعيفة منها، رغم التطور في تقنيات القياس والبحوث في مجال الزلازل والجيولوجيا. وأوضح ضيف "الخبر" بأنه "علينا إدراك أن بلادنا تقع في منطقة ذات نشاط زلزالي ويمكن توقع هزة أرضية في أي وقت، فالتنبؤ الحقيقي هو الزيادة في الوقاية". وقال إن هناك، حاليا، محاولات علمية لترقب الهزة الأرضية، لكن لم تصل هذه التجارب، إلى وقتنا هذا، إلى النجاح المطلوب بسبب تعقّد الظاهرة. قالوا في الندوة * وجد في الجزائر 80 محطة لرصد الزلازل، أغلبها في شمال البلاد. * قدم محطة جزائرية لرصد الزلازل تقع ببوزريعة وأنشئت سنة 1910 * مركز البحث في علم الفلك والفيزياء والجيوفيزياء يضم 80 باحثا، 60 باحثا مختصا في الزلازل والجيوفيزياء و20 باحثا في علم الفلك. * الزلزال العنيف الوحيد الذي عرفته الجزائر ضرب مدينة الشلف (الأصنام سابقا) وذلك يوم 10 أكتوبر 1980، إذ بلغت قوته 7.3 على سلم ريشتر. * تخضع محطات رصد الزلازل لمعايير جيولوجية خاصة عند اختيار مكان إقامتها، حيث تكون في أماكن هادئة ومرتفعة مثل الجبال، وبعيدة عن الأنشطة الصناعية والاجتماعية حتى لا تتأثر عملية الرصد بها.