روى البخاري من حديث زينب بنت جحش رضي اللّه عنها قالت: دخل عليَّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فزعًا يقول: “لا إله إلاّ اللّه، ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا (وحلق بإصبعيه الإبهام والّتي تليها)، قالت: يا رسول اللّه أنهلك وفينا الصّالحون؟ قال: “نعم إذا كثر الخُبث”. لقد تناقل النّاس وعرف بينهم ما يقع من فساد واختلاط ومجاهرة من أهل الفجور بفجورهم، في أماكن يسمّونها بُهتانًا أماكن سياحية، وهي للأسف ليست كذلك، بل هي أوكار عُهر وحرب على القيم، فتقع تلك المنكرات دون أن ينكر منكر. يقول عليه الصّلاة والسّلام: “تبيت طائفة من أمّتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثمّ يصبحون قردة وخنازير، فيبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور، وضربهم بالدفوف، واتخاذهم القينات”، ويقول الحق سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَو أمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللّه فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللّه إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}. فهذه الأحاديث والآيات بيّنَت أنّ اللّه توعّد المفسدين بالهلاك والعذاب العاجل في الدنيا والآجل في الآخرة. وهنا يقول الفرد المسلم: وماذا عليَّ حتّى أنجو من العذاب، هل يكفي أن أكون صالحًا في نفسي؟ الجواب: لا، بل يجب أن تكون مصلحًا وإلاّ شملك العذاب؛ لأنّ المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم بيّن أن الهلاك يَعُمُّ الصّالح والطالح إذا كثُر الخبث، وفي المقابل وعد المصلحين وهم من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بالحفظ فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}. ولنستمع إلى القرآن وهو يحكي لنا حال تلك القرية الّتي كانت حاضرة البحر، كيف نجى اللّه المصلحين منهم وأهلك البقية: {وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّه مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا، قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُون}. فتأمَّل يا رعاك اللّه قصة القوم كيف انقسموا إلى ثلاثة أقسام: عُصاة وصالحون ومصلحون، وتأمَّل كيف قام المصلحون بالدعوة فأنكر عليهم الصّالحون، وقالوا: لا فائدة من إنكاركم ولا من إصلاحكم، فهؤلاء قوم فاسدون لا خير فيهم. فكانت النتيجة أن نَجَّى اللّه المصلحين، وأهلك الفاسقين، والسّاكتين الّذين لم يقوموا بالإصلاح.