مرسي سيّر مصر بطريقة الإخوان وليس بعقلية رجل دولة التيار السلفي استطاع أن يتأقلم مع التغيرات عكس الإخوان يبدو أن تنظيم الإخوان المصري تلقى ضربة موجعة، هل تعتقدون أنها ستكون قاضية؟ أعتقد أن توالي الأحداث في مصر منذ إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك جاء بوتيرة سريعة، لم يتمكن الإخوان من مواكبتها، وهم الذين ظلوا يعملون بطريقة مشاورات الصالونات فيما بينهم، وذلك على مدار ثمانية عقود ولم يكن خروجهم لعامة المصريين واعتلاء سدة الحكم بالأمر المبرمج، وعليه استمر محمد مرسي بتسيير مصر بطريقة الإخوان، وليس بعقلية رجل الدولة، والنتيجة أنهم اليوم يعيشون أكبر نكبة في تاريخ الجماعة فاقت سنوات المطاردة التي عاشوها في ظل الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة. أعتقد أن الإخوان اعتادوا لعب دور المعارضة والمدافعين عن الشعب المغلوب على أمره، فكان التعاطف الكبير، هذا التعاطف الذي ولّد الشعور لسنوات طويلة أنهم راسخون في المجتمع المصري، غير أنه مع أول تجربة في الحكم أظهروا فشلا، من الواجب القول إنهم لم يكونوا السبب فيه بقدر ما أساؤوا التصرف حياله. أعتقد أن سوء التقدير والتسيير هذا أفقدهم هذا التعاطف الذي حظوا به قبل ثورة 25 جانفي، وهو ما سيدفع الحركة إلى أن تأخذ حجمها الحقيقي في الساحة السياسية والمجتمع المصري، إذ أصبح من المؤكد أنها ليس القوة المعارضة الأولى في البلاد، وإنما واحد من القوى الناشطة في مصر وعليها أن تتأقلم مع هذا الوضع الجديد. ومتى فهمت هذا المنطق وقررت إعادة النظر في مرجعياتها، تمكنت من الاستمرار في التواجد على خريطة التيارات السياسية في مصر. هل هذا يعني أن الجماعة قادرة على تجاوز المحنة؟ لا بد من التفريق بين تنظيم جماعة الإخوان بصفته تيارا فكريا لديه مشروع مجتمع، وبين حزب العدالة والتنمية. صحيح أن هذا الأخير هو الجناح السياسي الرسمي للتنظيم في مصر، لكن لا يمكن أن نغفل الأحزاب المنبثقة من الحركة والتي تربى قادتها في ظل الجماعة، مثلما هو الحال مع عبد المنعم أبو الفتوح وغيره. هؤلاء أيضا ينتمون للفكر الإخواني، لكن بنفحة أكثر تفتحا. وعليه، لا أستبعد أن يطالب جيل الشباب من المنتمين لحزب الحرية والعدالة بإعادة النظر في مرجعيات الحزب والجماعة والعمل على جعلها تتأقلم مع المجتمع، بدلا من فرض أفكارهم على الشعب المصري على اختلافه. والمثير للدهشة، أن بعضا من السلفيين أدركوا هذا الأمر وباتوا يتأقلمون مع ما يحيط بهم من متغيرات. بعبارة أخرى، هل يمكن للإخوان أن يكون لهم مكان مستقبلا في السياسة المصرية؟ ما حدث عقب ثورة 25 جانفي، أن الجماهير وضعت ثقتها في أكثر التنظيمات السياسية تماسكا. والحال أن القطب الديمقراطي العلماني الذي يمثل المعارضة، لم يتمكن من خلق هذا التجانس فيما بينه بسبب نزاع الزعامة بين قاداته، فكان الخيار البديل إما المؤسسة العسكرية الأكثر تماسكا، أو الإخوان، فكان اختيار الشعب الإخوان. اليوم وبعد السخط العارم على الجماعة في اعتقادي، يمكن للتيار السلفي أن يكون هو التنظيم الأكثر تنظيما. وبالنظر لوقوفه إلى مطالب الشعب، فإنه قادر على أن يكون أهم فاعل سياسي في المرحلة المقبلة، خاصة وأنه قريب من عامة الشعب الذي ينظر للقطب العلماني على أنه نخبة “مستغربة”. في كل الأحوال، أعتقد أن شباب الثورة الذي قاد حملة تمرد لن يرضى استئثار أي تيار بالحكم في المستقبل، وعليه في اعتقادي ستكون الحكومة المقبلة خليطا من كل هذه التيارات، بما فيها الإخوان باعتباره واحدا من التيارات التي لا تحظى بأي امتياز عن باقي التيارات السياسية، فهي فقدت الميزات التي كانت تتمتع بها في السابق، باعتبارها ضحية الأنظمة الديكتاتورية والمدافعة عن كل القضايا العادلة.