كشفت الأزمة السورية مدى ارتباط السياسة الخارجية الأمريكية بالأحداث الدائرة عبر العالم، إذ تأكد بعد أكثر من سنتين من النزاع المسلح في سوريا، أن ما يدور هناك لم يعد متعلقا فقط بطموح وآمال الشعب السوري في التخلص من الديكتاتورية والتنعم بنظام ديمقراطي، بقدر ما آل النزاع إلى صراع نفوذ إقليمي تسعى من خلاله القوى الكبرى لإعادة رسم الخريطة الدولية وفقا لما يتماشى مع مصالحها. ويرى المراقبون أن وقوف كل من روسيا والصين وإيران إلى جانب سوريا، ليس فقط من منطلق عقائدي أو من باب احترام القوانين الدولية، وإنما سعي من هذه الدول لإيجاد موطأ قدم لها في الشرق الأوسط، حيث تتركز الثروات الطبيعية والمنافذ البحرية ومنع انفراد الولاياتالمتحدةالامريكية من الهيمنة على هذه المنطقة التي تمثل معبرا للاقتصاد العالمي. ويشير الخبراء إلى أن الحرب التي أعلنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على الإرهاب سنة 2001، سمحت لها بالتوغل في العديد من المناطق عبر العالم ونشر قواتها البرية والبحرية عبر كامل خريطة العالم، بدءا من آسيا الوسطى (أفغانستانوباكستان)، الخليج العربي، إفريقيا، الشرق الأوسط وبحر اليابان، مثلما تؤكده تقارير وزارة الدفاع الأمريكية، التي تفيد بتوفر أمريكا على ألف قاعدة عسكرية منتشرة عبر العالم، فيما تقوم بنشر حوالي نصف مليون مقاتل في كل أرجاء المعمورة وتعويضهم بشكل مستمر، هذا إلى جانب انتشار أساطيلها البحرية في البحار والمحيطات، ما يجعل جيشها الأكثر انتشار على سطح المعمورة. كما تحرص الولاياتالمتحدةالأمريكية على نشر أقمارها الصناعية للتمكن من تغطية كل دول العالم، للحصول على أدق التفاصيل والمعلومات التي تمكّنها من الحفاظ على خطوات تفصلها عن بقية الدول لضمان السيطرة. ويعترف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ”سي أي إي” السابق الجنرال ديفيد بترايوس، أن الحرب التي شنتها أمريكا ضد الإرهاب عقب أحداث سبتمبر 2001 ساهمت في تحقيق الانتشار العسكري الذي كانت تنشده الولاياتالمتحدةالأمريكية، في إشارة إلى أنه سمح بالتغلغل في مناطق باتت تتيح لأمريكا إمكانية مراقبة أعدائها، ليس الإرهابيين فقط، وإنما الدول التي تشكّل خطرا محتملا عليها. وقد سمح هذا الانتشار العسكري في تطوير مفهوم ”الحزام الأمني” الذي تمليه السياسة الخارجية الأمريكية، والمتمثل في إحاطة الدول الخطيرة، وفقا للبيت الأبيض، بدول حليفة لأمريكا، مثلما يحدث مع روسيا وإحاطتها بكل من أفغانستان، باكستان وتركيا والجزيرة العربية والاتحاد الأوروبي واليابان، وغيرها من الدول الحليفة، والتي تُشكل مجتمعة حلقة حول روسيا، ما يسهّل مهمة مراقبتها والتحكم في حركتها الاقتصادية. ويعتقد المتابعون للأوضاع الدولية، أن الوضع في سوريا أوجد فرصة أمام الصين وروسيا لكسر الأحادية التي تعمل أمريكا على ترسيخها، من خلال الإصرار على ضمان بقاء النظام السوري الحليف، لأن سقوطه يعني تأكيدا لهيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية على المنطقة دون منازع.